IMLebanon

المجلس يطفئ شمعته الأولى: انتاج شبه معدوم لولا سيدر!

عام كامل مر على الانتخابات النيابية التي انتظرها اللبنانيون طوال تسع سنوات، قبل أن يتيح لهم القابضون على “مقاليد الحكم” ممارسة حقهم الديموقراطي في اختيار ممثليهم في الندوة البرلمانية.

لا تختلف صورة التوازنات السياسية في المجلس الذي يطفئ بعد يومين شمعته الأولى عن تلك التي سادت في برلمان التمديد الثلاثي… مع استثناء وحيد: نجاح المجتمع المدني في الاستفادة من النسبية التي لحظها قانون الانتخاب الجديد لدخول الجنة البرلمانية من خلال النائبة بولا يعقوبيان.  ولا يخفى على أحد على أن فشل الرهان على الناس وإرادتهم في التغيير يبدو العامل الأبرز الذي من شأنه أن يفسر ضعف الانتاج  النيابي في الربع الأول من الولاية التي من المفترض أن تمتد، مبدئيا، حتى العام 2022… لولا سيدر.

ذلك أن المجلس الحديث الولادة ما لبث أن أصيب باكرا بداء الشلل، من جراء الألغام الكثيرة التي زرعت على طريق ما سماها المحسوبون على الفريق الرئاسي “حكومة العهد الأولى”، وهي تلك التي ولدت بعد مخاض 9 أشهر بعد الانتخابات.

وفي السياق، تذكر مصادر سياسية عبر “المركزية” بأن الغالبية العظمى  من القوى الحاضرة في مجلس النواب لم تخف شهيتها على الاستيزار، ما دفعها إلى استخدام “التوازنات النيابية والأحجام التمثيلية التي أفرزتها صناديق الاقتراع” وقودا لإشعال الاشتباكات الوزارية على أنواعها، فولدت العقد الدرزية والمسيحية.. وحتى السنية من باب التمثيل في مجلس النواب المكبل بحكومة تصريف أعمال كانت قد توقفت عن عقد الاجتماعات منذ 21 أيار 2018.

على أن الأهم يكمن في أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري (الذي حافظ على مركزه) أحجم عن لعب دور مبتكر مخارج اللحظات الأخيرة وترك للأفرقاء خوض الكباش الحكومي حتى الثمالة… إلى أن عيل صبره واستجاب لضغط المجتمع الدولي لجهة ضرورة الانطلاق في المسار الاصلاحي الذي طالبت به الدول المانحة لمد لبنان بمساعدات مؤتمر سيدر، عقد البرلمان الجديد باكورة جلساته تحت عنوان “تشريع الضرورة”، في 24 و25 أيلول 2018، أقر في خلالها عددا من القوانين ذات الطابع الاصلاحي وقبل قروضا وهبات ممنوحة من المشاركين في مؤتمر سيدر إضافة إلى خطة إدارة النفايات الصلبة (برغم اعتراض الكتائب وتحفظ القوات والتكتل الوطني)، إلى جانب إقرار حل موقت لأزمة الاسكان، التي ارتأى المجلس قذف كرة نارها إلى الحكومة الجديد… التي أبصرت النور بعد 4 أشهر من انعقاد الجلسة.

ومستفيدا من سابقة 24 و25 أيلول، وبذريعة المادة 69 من الدستور التي تجيز عقد الجلسات النيابية في غياب الحكومة، بادر رئيس المجلس إلى لم الشمل النيابي ثانية في 12 تشرين الثاني 2018، مجددا القفز فوق عجز الرئيس (المكلف آنذاك سعد الحريري) عن اكتساح لأألغام المطالب الحكومية، فأقر نواب الأمة بعض الاتفاقات مع الدول الخارجية، كما قوانين لمزاولة مهن معينة كتقويم النطق، وفتح اعتمادات في موازنة 2018، من أجل تمويل الحصول على أدوية السرطان والأمراض المزمنة (علما أن هذا الملف كان قد أشعل اشتباكا حادا في جلسة أيلول دفع نواب القوات إلى مغادرة الجلسة في جولتها المسائية، بعد كان النائب زياد الحواط  أثار الملف في مداخلته الصباحية).وفي هذه الجلسة أيضا، أجاز النواب لمؤسسة كهرباء لبنان التعاقد مع كهرباء زحلة، ما يعني وضع الأخيرة تحت وصاية كهرباء لبنان.

على أهم ما يسجل للمشاركين في هذه الجلسة يكمن في نجاحهم في إقرار قانون المفقودين والمخفيين قسرا، بعد طول مماحكات لم تحاك انتظار أهالي الضحايا المضني لأكثر من ربع قرن، علما أن هذه الخطوة المباركة والمطلوبة لا تزال تنتظر استكمالها بخطوات تضمن ختم هذا الجرح نهائيا..

وفي جلسة أخرى عقدها المجلس الجديد في 6 و7 آذار الفائت، أقر عدد من القوانين أبرزها تعديل قانون التجارة تالذي كان أعيد إلى اللجان المشتركة في أيلول.

وما بين تشرين الثاني وآذار، التأم العقد النيابي لمنح الحكومة الجديدة (التي شكلت في 31 كانون الثاني 2019) الثقة بـ 111 صوتا في 15 شباط الفائت، في جلسة ماراتونية نقلت وقائعها كل الشاشات المحلية، ما حولها إلى مهرجان خطابي اغتنم النواب فرصته للإطلالة الأولى على ناخبيهم، فكانت المطولات التي لم تخل من القنص في اتجاه الحكومة من… جانب بعض النواب المنتمين إلى أحزاب حاضرة في الفريق الوزاري. إلا أن أحدا لا يشك في أن الذاكرة اللبنانية لن تطوي بسهولة صفحة السجال العنيف الذي شهدته هذه الجلسة بين النائب نواف الموسوي (حزب الله) وزميليه الكتائبيين سامي الجميل (الذي كان يلقي كلمته) ونديم الجميل، على خلفية كلام الموسوي عن أن الرئيس عون “وصل إلى الرئاسة ببندقية المقاومة”، في ما قرأ بين سطوره انتقاد مبطن للرئيس الشهيد بشير الجميل، ما استفز الأحزاب المسيحية الكبرى (الكتائب والقوات والتيار الوطني الحر)، ودفع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد إلى “الاعتذار من المجلس عما صدر على لسان الموسوي، في سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ اللبناني الحديث. إشارة إلى أن كلام الموسوي حدا بقيادة حزب الله إلى اتخاذ قرار منعه من مزاولة عمله النيابي لمدة عام كامل، فيما شطب الرئيس بري هذا السجال من محضر الجلسة.

إذا، سجل مجلس النواب عاما أول بانتاج ضعيف لولا سيدر والضغط الدولي لإطلاق العنان للإصلاحات وتأليف الحكومة… على أمل أن ينطلق العام الثاني من الولاية بإقرار الموازمة التقشفية.. من دون المساس بجيوب الناس، ومن دون مخالفة الأصول المرعية الاجراء!