كتبت جنى جبّور في “الجمهورية”:
تُعتبر فئة الشباب الذين تراوح أعمارهم بين الـ18 والـ40 سنة، الاكثر عرضة للإصابة بالتصلّب اللويحي، الذي يسبّب لهم نوعاً من الإعاقة الجسدية التي تؤثر بدورها على حركتهم ونشاطات حياتهم اليومية. إلّا أنّ العلاجات الحديثة تعطي الأمل للمصابين، من خلال تخفيفها من تطور المرض وإبطاء مساره.
التصلب اللويحي مرض شائع يصيب الجهاز العصبي المركزي المكوّن من الدماغ والعمود الفقري وهو كناية عن مناعة مغلوطة، تسبّب تلفاً في الغشاء المحيط بالخلايا العصبية والذي يدعى الميالين، ما يؤدّي إلى تصلب في الخلايا وبالتالي بطء أو توقف سير السيالات العصبية المتنقلة بين الدماغ وأعضاء الجسم المختلفة. وقد لاحظنا في الفترة الاخيرة، زيادة الحديث عن هذا المرض وعلاجاته. فما هو سبب ذلك؟ في هذا السياق، حاورت «الجمهورية» رئيس قسم الجهاز العصبي في مستشفى اوتيل ديو، اختصاصي دماغ وجهاز عصبي البروفيسور حليم عبود الذي اجابنا قائلاً إنّ «كثرة تناول موضوع التصلب اللويجي في الفترة الاخيرة، يعود الى اسباب عدّة، أبرزها:
- المرض يصيب فئة الشباب بين الـ20 والـ40، ما يتطلب وعياً جدّياً حوله
- مع وجود الرنين المغناطيسي، أصبح من السهل تشخيص الحالة، بينما كان من الصعب سابقاً تشخيص حالات الكثير من المرضى
- أظهرت الكثير من الدراسات، أنّ العلاج السريع والمبكر يؤخر تدهور الحالة المرضية، وظهور العاهات على المريض كصعوبة المشي مثلاً
- تطوّر العلاجات الدوائية الفعالة، بينما في السابق، كان العلاج يعتمد على الحقن التي لا تتعدى فعاليتها الـ30 في المئة».
العامل الجغرافي
الإحصاءات الموجودة في لبنان حول عدد الاصابات غير دقيقة، ولكن يمكن تقدير العدد حوالى الـ3000 اصابة، بحسب شركات الادوية (من الذين يحصلون أو لا يحصلون على الدواء). وبحسب بروفيسور عبود «تشير الدراسات الى أنّ للعامل الوراثي دوراً اساسياً في الاصابة، وكذلك تُظهر أنّ العامل الجغرافي يؤثر ايضاً، فنلاحظ أنّ سكان شمال خط الاستواء يصابون بالتصلّب اللويحي اكثر من غيرهم. كما أنّ النساء أكثر عرضة للإصابة بالمرض، بسبب عامل الهرمونات. ومن المعروف أنّه يمكن للمرض أن يصيب كل الجهاز العصبي المركزي اي الدماغ والدودة، وعلى الاثر، ينتج عن هذه الحالة خلل في المنطقة المصابة، والتي يمكن أن تكون أيّ عضو يغذيه الجهاز العصبي المركزي كالبصر او السمع او الشعور او الحركة الجنسية وغيرها. مع العلم، أنّه توجد أماكن اصابة تكون عوارضها غير مرئية، ولا يمكن أن يلاحظها او يشعر بها سوى المريض نفسه كالآلام، التعب، فقدان الذاكرة، وقلة تركيز».
علاج سنتين
رغم غياب العلاج الشافي عن هذا المرض، الّا أنّ العلاجات الحالية المتطورة، رفعت نسبة تجاوب المريض وتحسّنه. وهذه العلاجات التي تُعتبر اكثر حداثة عالمياً، متوفرة كلها في بيروت. ويشرح عنها بروفيسور عبود لافتاً الى أنّ «منذ 20 سنة، كانت العلاجات تقتصر على الحقن(ابرة في الاسبوع او ابرة كل 3 ايام)، ومع الوقت بتنا نعطي حبة أو حبتي دواء يومياً للمريض. أمّا حالياً، فنعطي المريض 5 أو 6 أو 7 حبوب دواء في الاسبوع (حسب وزن المريض). وفي التفاصيل، نتبع هذه الطريقة في الشهر الاول من بداية العلاج، ونكرّرها في الشهر الثاني من السنة نفسها، لنتوقف بعدها عن إعطائه ايّ علاج حتّى السنة المقبلة، حيث نعاود اتّباع الطريقة نفسها من ناحية كيفية اعطائه الدواء في السنة السابقة، ليتوقف المريض عن أخذ العلاجات بعد هاتين السنتين. ويتوفر ايضاً، علاج آخر بالوريد، ويعطى للمريض بالطريقة نفسها للعلاج الدوائي».
دور الدولة
هذا التطور الكبير في علاجات التصلب اللويحي، يحمي المريض من الهجمات لفترات طويلة، ويؤمّن فعالية من ناحية التحكّم بالمرض. ومن الطبيعي أن تكون هذه العلاجات مرتفعة الكلفة، الّا أنّ الجهات الضامنة تغطيها وتعترف بتكلفتها. ويقول بروفيسور عبود «نحن نحمل على عاتقنا مع الجمعيات، مساعدة الشباب في حال صعوبة امكاناتهم المادية، وذلك من خلال المعاينات الطبية، فحوصات التشخيص، التحاليل المخابرية او العلاج الفيزيائي. إلّا أنّ هذا وحده لا يكفي، ونحن بحاجة فعلاً الى مساعدة الدولة والمعنيين في هذا الموضوع، لتأمين العمل للمصابين ومساعدة هؤلاء الشباب في اكمال حياتهم بشكل طبيعي. في المقابل، قد يؤثر التصلّب اللويحي على الحالة النفسية للمصاب، ما يحتّم إحاطته بالعلاج والدعم النفسي، إن كان من ناحية الادوية، أو علاج الاضطرابات العقلية. وأشدّد أنّ العامل النفسي مهم جدّاً، ونحن نتعامل معه بجدّية تامة، ولكن ليس كل المرضى يتأثرون نفسياً، بل الكثير منهم يحافظون على حالة نفسية مستقرة لا سيما مع تطوّر العلاجات المتاحة لهم»، خاتماً «لا توجد إرشادات وقائية تحمي من الاصابة، وننصح المريض بالحصول على الفيتامينات خصوصاً الفيتامين «د» و»ب»، وابتعاده عن حرارة الشمس، وكما نطمئنه أنّ بإمكانه تناول كل المأكولات الذي يريدها».