نشرت صحيفة “ديلي بيست” الأميركية على موقعها الالكتروني تقريرًا مطولًا عن اللبناني علي كوراني الذي أوقف في الولايات المتحدة بعدما حاول أن يُصبح مخبراً لدى مكتب التحقيقات الفدرالي الـFBI، لأخذ معلومات ونقلها الى “حزب الله”، وفق التهمة الموجّهة له”. ودُرّب كوراني، وفق اعترافاته، على المتفجرات والأسلحة الخفيفة، إلى جانب الاتصالات الآمنة والبقاء على قيد الحياة والاستجواب كعضو في منظمة الأمن الخارجي التابعة لحزب الله (ESO)، والمعروفة أيضًا باسم منظمة الجهاد الإسلامي (IJO)أو ببساطة 910″.
وجاء في التقرير ان “نعومي رودريغيز تعمل طبيبة طوارئ في مناوبات عمل لمدة 12 ساعة في حي ذا برونكس، وقد أدركت على الفور حجم المفارقة عندما اتهم الرجل غير جذاب المظهر الذي كان يعيش فوق شقّتها بأنه “عميل نائم” لدى الإرهابيين. وخلال هذا الأسبوع، عبّرت رودريغيز عن رأيها في هذا الشأن، حيث قالت من مدخل شقتها في شارع ويست عدد 238 في حيّ كينغز بريدج هايتس: “أنا أسعى لإنقاذ الأرواح، وهذا الشخص يحاول سلب هذه الأرواح”.
في الواقع، لم يكن لباس علي كوراني ولا سلوكه يوحيان بانتمائه الديني أو الأيديولوجي. وأضافت رودريغيز: “لقد كان هذا الأمر غير متوقع بتاتًا”. وذكرت رودريغيز أنه عند اعتقاله في حزيران الماضي، أطلقت الأنباء على كوراني البالغ من العمر 34 سنة اسم “إرهابي كينغز بريدج هايتس”. لكن هذا الإرهابي لم يكن مجرد ذئب منفرد مهتم بالتطرف الإسلامي من خلال مواقع الكراهية على الإنترنت ويسعى لصنع قنبلة في مطبخ والدته من خلال تعليمات وجدها على الإنترنت.
ويضيف: “خلال محاكمة كوراني يوم الإثنين، سيتضح ما إن كان هذا الرجل غير الملفت للانتباه عميلًا سريًا لفترة طويلة لصالح منظمة إرهابية دولية. كما يُزعم أن كوراني يَتبع خطة للانتقام من قتل منفّذ عملية إرهابية في تفجير سيارة، الذي وصفه عميل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية بأنه “أكثر العملاء ذكاء وقوّة على الإطلاق”.
من جهته، اعترف كوراني بأنه تلقى تدريبات في كيفية استخدام المتفجرات والأسلحة الصغيرة، إلى جانب تعلم كيفية إجراء الاتصالات الآمنة وأساليب النجاة والاستجواب، باعتباره عضوًا في منظمة الأمن الخارجي التابعة لـ “حزب الله”، المعروفة أيضًا باسم حركة الجهاد الإسلامي، أو ببساطة 910، أو مثلما وصفها مكتب التحقيقات الفيدرالي “العمليات السوداء لحزب الله”.
ولد كوراني في لبنان في حزيران 1984 في عائلة يزعم أنه تجمعها صلات بحزب الله، كما كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي أن عشيرته تمثّل “جماعة بن لادن في لبنان”. كان عمره 16 سنة عندما تمكن بفضل مكانة عائلته الاجتماعية من حضور معسكر لتعليم الإرهاب الذي استمر لمدة 45 يومًا. وقد ورد في شكوى جنائية لاحقة أنه “خلال التدريب، تعلم كوراني كيفية إطلاق النار عبر أسلحة الكلاشنكوف الهجومية وقاذفات الصواريخ، وتدرّب على التكتيكات العسكرية الأساسية على يد أفراد حزب الله الذين كانوا يرتدون الزي العسكري”.
في سنة 2003، هاجر كوراني عندما كان عمره 19 سنة إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث عاش في منزل يضم عائلتين في كوينز، ودرس الهندسة الطبية الحيوية في جامعة نيويورك. ولكّن مسار حياة كوراني تغيّر عندما قُتل عماد مغنية في دمشق سنة 2008، القائد الثاني في حزب الله والرئيس المؤسس لجناحه العسكري والاستخباري والأمني.
لقد كان مغنية العقل المدبّر وراء حادث تفجير السفارة الأميركيّة في بيروت سنة 1983 الذي أسفر عن مقتل سبعة عملاء من وكالة المخابرات المركزية الأميركية و10 أميركيين آخرين. بالإضافة إلى ذلك، خطّط مغنية لتفجير شاحنتين مفخّختين استهدفتا مبنيين تابعين للقوات الأميريّة في لبنان في وقت لاحق من تلك السنة، والذي أسفر عن مقتل 240 شخصًا.
تشمل القائمة الكاملة من العمليات التي شنّها مغنية عملية التعذيب والقتل التي استهدفت رئيس محطة الاستخبارات الأميركية في بيروت وليام باكلي سنة 1985، وعمليّة تعذيب وقتل بحار أميركي على متن طائرة مخطوفة في وقت لاحق من تلك السنة، وتفجير أبراج الخبر في السعودية سنة 1996، الذي أدى إلى مقتل 19 شخص من طاقم القوات الجويّة الأميركية، إلى جانب قتل المئات من الإسرائيليين.
ليس من المستغرب أن “حزب الله” ألقى باللوم على كل من الولايات المتحدة وإسرائيل في عمليّة قتل العقل المدبر التابع له وتعهد بالانتقام منهما. بالإضافة إلى ذلك، أخبر كوراني مكتب التحقيقات الفيدرالي أن “حزب الله” سعى لتحقيق ذلك عن طريق تقليد خطّة إسرائيلية، استخدمها الروس منذ فترة طويلة.
وفقًا لتقرير صادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالي، “ذكر كوراني أن منظمة الأمن الخارجي لحزب الله أرادت تقليد الموساد الإسرائيلي وسعت إلى تجنيد “العملاء النائمين”، الذين كلّفوا بعيش حياة طبيعية ظاهريًا في جميع أنحاء العالم… [و] الذين يمكن تكليفهم بتنفيذ بعض العمليات، في حال قررت المنظمة اتخاذ إجراء ما”.
كان كوراني في لبنان من أجل زيارة عائلته عندما جنده رجل دين في قريته، وذلك على الأرجح بسبب تعليمه وحقيقة أنه يعيش في الولايات المتحدة، الأمر الذي جعله مرشحًا مثاليًا ليكون “عميلًا نائمًا”، وهو شخص يعيش حياة طبيعيّة ويمكن استدعاؤه في أي وقت لشنّ عمليّات إرهابية عند الحاجة. وكُلف المجند الجديد بارتداء خوذة سوداء خلال لقائه مع الرجل الذي يزعم أنه سيكون مدرّبه.
أشارت الشكوى الجنائية إلى أن “كوراني كان يعرف هذا الرجل باسم فادي، الذي عادة ما كان يرتدي قناعًا أثناء اجتماعاتهم”. وأضافت الشكوى أن واحدة من تعليمات فادي الأولى كانت تتمثّل في “الحصول على الجنسية الأميركيّة وجواز السفر الأميركي في أقرب وقت ممكن”. وقد أكمل كوراني الجزء الأول من هذه المهمة في نيسان 2009. وفي الأسبوع التالي، تقدم بطلب للحصول على جواز سفر، ومن ثم طالب بتأشيرة دخول إلى الصين بعد ذلك بأسبوع. ويقال إنه سافر جوًّا إلى قوانتشو، موقع شركة تصنع عبوات الثلج المستعملة في الإسعافات الأولية، التي تحتوي على نترات الأمونيوم، وهو عنصر هام في المتفجرات.
عُثر على عدد كبير من “عبوات الثلج” في مصانع القنابل التابعة لـ “حزب الله” في تايلاند وقبرص. وتمثّل قوانتشو مركزًا رئيسيًا لصنع الملابس المقلّدة، التي يُعتقد أنها تمثل مصدر دخل رئيسي بالنسبة لـ “حزب الله”. وفي الشهر ذاته، تحصّل كوراني على درجة البكالوريوس في نيويورك، وتابع دراسته ليتحصّل على شهادة ماجستير في إدارة الأعمال من كلية كيلر العليا، مما يجعل حياته الظاهريّة أكثر إقناعًا.
في سنة 2011، استدعى فادي كوراني إلى لبنان للتدريب العسكري، ومن ثمّ عاد إلى الولايات المتحدة حيث يزعم أنه اتبع التعليمات التي قدّمها له فادي من أجل تحديد المصادر المحتملة للأسلحة والبحث عن طريقة لفتح شركات في نيويورك يمكن لـ “حزب الله” أن يستغلّها “كغطاء لتخزين الأسلحة النارية المخصصة للاغتيالات والهجمات في الولايات المتحدة”، وهو ما كشف عنه تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي.
علاوة على ذلك، طُلب من كوراني تفقّد الجهاز الأمني المحيط بالقنصلية الإسرائيلية في نيويورك والتعرّف على رجال الأعمال اليهود الموجودين في المدينة سواء كانوا أعضاء سابقين أو حاليين في جيش الدفاع الإسرائيلي وذلك “لاستغلالهم إما في عمليات الاغتيال أو التجنيد”، وهو ما صرّح به مكتب التحقيقات الفيدرالي. ويُزعم أن قائمة الأهداف المراقبة شملت المبنى الفيدرالي في مانهاتن، حيث يوجد مكتب التحقيقات الفيدرالي ومكاتبه وجهاز الخدمة السرية في بروكلين. ويقال إن كوراني سجّل مقاطع فيديو لمستودع أسلحة تابع للجيش الأميركي في مانهاتن ومطار جون إف كينيدي.
في هذه الأثناء، أنجبت زوجة كوراني طفلين تسبب أحدهما في حدوث انقطاع قصير في اتصالات البريد الإلكتروني مع مدرّبه عبر حاسوب محمول من نوع توشيبا، ليكشف تقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي أن “ابنته قد سكبت شيئًا ما على الحاسوب”. وبعد ذلك، اشترى كوراني حاسوبًا آخر من نوع آبل ليواصل عيش حياته المزدوجة. كان كوراني ليكون العميل النائم المثالي لو لم يشارك في تجارة الملابس المزيفة، إذ ألقي القبض عليه وبحوزته 190 زوجًا من الأحذية المصنوعة من صوف الخروف بعد أن تجاوز علامة توقف في كوينز في تشرين الثاني 2013.
ساعد هذا الاعتقال قسم الاستخبارات في شرطة نيويورك على استجواب كوراني عدة مرات. وقد لفت كوراني اهتمام وكالات تطبيق القانون في أيلول 2015 عند وصوله من رحلته في لبنان إلى المطار ذاته الذي كان يراقبه بكثرة. ووفقًا لتقارير الشكوى الجنائيّة “فقد اكتشف موظفو تطبيق القانون أن هاتف كوراني الخلوي لا يحتوي على بطاقة ذاكرة، لكنهم عثروا على بطاقة ذاكرة مخبأة تحت ملصق مثبت على جواز سفره الأميركي”.
قضّى كوراني سبع سنوات كعميل نائم، كما يُزعم، دون أن يتم تكليفه بأي مهمّة. لقد استنتج كوراني أن السبب يعود إلى اكتشاف حزب الله سنة 2015 أن محمد شورابة، الذي كان المسؤول عن العمليات الخارجية ومهمات الانتقام على وجه الخصوص، كان جاسوسًا إسرائيليًا. وقيل أيضًا إن شورابة خرب العديد من خطط الهجوم بينما كان العملاء النائمون يقبعون في سبات.
في غرة نيسان من سنة 2016، المعروف “بيوم كذبة أبريل”، أورد كوراني أنه توقف كعادته في ستاربكس في كوينز وقد اقترب منه عميل من مكتب التحقيقات الفيدرالي وأظهر شارته قائلًا: “نحن على علم بانتمائك إلى حزب الله”، فأجابه كوراني بأنهم “قبضوا على الشخص الخطأ”.
عند باب مكدونالدز المجاور، سلمه هذا العميل ملفا يحتوي على هاتف محمول وأخبره بأنه “سيتصّل به على هذا الرقم. وعليه الحرص على إبقاء الأمر سرا”. ومنذ ذلك الحين، اتصل مكتب التحقيقات الفيدرالي بكوراني مرارًا وتكرارًا خلال الأيام المقبلة لتنظيم عدّة اجتماعات، حاولوا من خلالها حثّه على أن يصبح مخبرًا.
خلال سلسلة من الاجتماعات التي أجريت داخل مكتب محاميه، يزعم أن كوراني أخبر الوكلاء عن حياته كعميل نائم، لكن مكتب التحقيقات الفيدرالي اعتقد أنه لا يقول الحقيقة كاملة، مما دفعهم إلى استجوابه أكثر من مرة. وفي غرة حزيران من سنة 2018، ألقى العملاء القبض على كوراني في كنف الهدوء في حي برونكس، حيث كان يعيش مع أقاربه بعد انفصاله عن زوجته.
لقد أُودعت في حقّه ثماني تهم بارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب، لكنه تنازل عن المثول أمام المحكمة فأغلقت الشكوى الجنائية، واحتُجز خلال تلك الليلة في فندق ماريوت المجاور. وفي اليوم التالي، خلص العملاء والمدعون العامون إلى أن كوراني كان يخفي بعض المعلومات ما يعني أنه لن يصلح لأن يكون مخبرًا موثوقًا به. ونتيجة لذلك، أُحظر إلى المحكمة وأعيد فتح الشكوى الجنائية المودعة ضده واحتجز دون كفالة.
وافقت المحكمة على تقديم مذكرات تفتيش تشمل رسائل البريد الإلكتروني وتاريخ تصفّحه للإنترنت، بالإضافة إلى شقته في ذا برونكس. وهناك، عثر الوكلاء على دفتر ملاحظات خاص بكوراني يحتوي على ملاحظات مكتوبة بخط اليد باللغة الإنجليزية بخصوص الطلبات التي كان كوراني يريدها من مكتب التحقيقات الفيدرالي، بما في ذلك الأموال وشقة في مبنى في مانهاتن.
واصل كوراني التعامل مع محاميه الجديد أليكسي شاخت، الذي سعى إلى دحض الاعترافات المتفرّقة التي أدلى بها كوراني. ولكن حكم القاضي بأن التصريحات المقدّمة أمام مكتب التحقيقات الفيدرالي مقبولة ومن المتوقع أن تُستخدم ضده في المحاكمة التي ستبدأ يوم الاثنين.
وفي برونكس، صرّحت رودريغيز لموقع “ديلي بيست” أن كوراني كان يعيش فوقها مباشرةً مع أحد أقاربه الذي كان معه ابنه المراهق، الذي وصفت بأنه “طفل جيد حقًا”. قالت هذه السيّدة إنها لا تتذكر رؤية كوراني سوى مرة واحدة لأنها نادرا ما تكون في المنزل، إذ أنها تغادر مبكرا للعمل في مناوبات تدوم لمدة 12 ساعة وتعود متأخرة من المدرسة، أين تتعلّم لتصبح مسعفة. كما أنها تربى ولديها، اللذين يبلغان من العمر 10 و4 سنوات. وأضافت رودريغيز “أن تكون مستعدا للتعامل مع الإرهابيين، يجعلك مذنبا بقدرهم”.