تستحق كلمة “الانهيار” ان تنال لقب كلمة العام 2019 في القاموس اللبناني! هذه الكلمة المروّعة باتت مرادفًا لحياة اللبنانيين قبل أسابيع… اما تواترها فيومي ومتواصل: منذ ان يفتحوا أعينهم على تقارير الصحف الخطيرة حول الوضع المالي والاقتصادي وأخبار المواقع الالكترونية التي تنذر بأزمة قاتمة آتية، مرورًا بالأحاديث اليومية التي تهيمن عليها مخاوف صعبة وحال مزرية، وصولًا الى نشرات اخبار محطات التلفزة التي تتنافس في صياغة عبارات التحذير والتنبيه والوعظ…
وفي وقت ان مجرد لفظ هذه الكلمة قبل أشهر قليلة كان يعني تصنيف قائلها في خانة المتشائم في الحد الأدنى والخائن لدى المغالين في دعم “العهد” (فلنتذكر ما جرى بعد اطلاق اغنية “طار البلد” مثلاً)، فإن بعض المسؤولين اللبنانيين انضموا الى حاملي راية “الانهيار” أخيرًا ليخيَل لدى المتابعين ان الشعب اللبناني بكامله كان يعيش في سويسرا ثم فجأة حصل زلزال عالمي مدمر نقلنا إلى أفغانستان او الصومال من دون أي إنذار… فيما يصرّ جزء من الطبقة التي تقودنا “والرب راعيها” ان كل ما يجري تهويل وتخويف خدمة لمصالح سياسية وكأننا فعليًا امام جمهوريتين: جمهورية تحذر من الغرق قبل فوات الأوان وتكتشف اننا بلد الفساد والافساد، في مقابل جمهورية ثانية تكاد ترى ان الوضع يحلّ لدى الضغط على بعض الازرار السحرية ابرزها طبعًا “ملف اللاجئين” وتنتقد ما تصفه بالتهويل والتخويف غير المبرر. جمهوريتان فقط؟ ربما ثلاث أو خمس او سبع… من يدري! فالمزاد مستمرّ والرهانات على أشدّها.
في الواقع، لا يحتاج الامر الى اكثر من بضع دقائق لمتابعة اخبار البلد الاثنين، ومع انطلاق شهر رمضان، ليعرف الهوة التي بتنا فيها… إضراب لليوم الثالث يشل عمل مصرف لبنان، الامر ذاته ينطبق على الضمان الاجتماعي ومرفأ بيروت ومصالح الكهرباء والمياه وهيئة أوجيرو وغيرها… هي مرافق بحال شلل بسبب ما يحكى عن إجراءات “تقشفية” تستعد الحكومة لاتخاذها في الموازنة الجديدة، مع كل يترتّب على ذلك من خسائر ومخاوف توِّجَت بإعلان بورصة بيروت توقفها عن العمل حتى إشعار آخر نظرًا لعدم إمكانية إكمال عمليات التسوية والمقاصة بسبب إضراب موظفي مصرف لبنان. وقد سبقت هذه الإضرابات مجموعة من التظاهرات والتحركات وقطع الطرقات من فئات أخرى ترفض المسّ بما تراه “حقوقها المكتسبة”، وتستعد فئات أخرى بينها الأساتذة والقضاة لتحركات مقبلة في الاتجاه نفسه!
مهما كانت مساحيق التجميل او إبر التخدير التي يرغب المسؤولون باستخدامها لمحاولة إصلاح ما شوّهوه بيديهم في وجه الوطن وجسده، فإن ما أفسده الدهر لن يصلحه العطار! وان كانت البداية عبر “انتفاضة” في القطاع العام الذي أمعن هؤلاء المسؤولون أنفسهم بإغراقه وإفساده و”حشوه”، فإلى متى سيواصل نصف الشعب اللبناني الذي بقي صامتًا متفرجًا في الانتخابات الماضية وشاهد متسمرًا على كنبته إعادة انتاج سلطة بالية لنفسها مجددًا، رحلة جموده بعدما بدأت أولى بوادر “الانهيار” تلفح الجميع من دون استثناء؟!