كتب بروفسور جاسم عجاقة في صحيفة “الجمهورية”:
بلغت نسبة إرتفاع سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان منذ بداية العام وحتى الساعة 22 في المئة أو ما يوازي 4500 ليرة لبنانية. ويعود سبب هذا الإرتفاع بالدرجة الأولى إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية تحت تأثير عوامل جيوسياسية ما يُهدّد بضرب قدرة المواطن الشرائية وزيادة عجز الموازنة.
تلعب مُشتقات النفط دوراً رئيساً في الحياة الاقتصادية إذ إنها تدخل في صناعة، تعليب أو نقل البضائع والسلع التي تُحيط بنا بنسبة 95%. واكتسب النفط دوراً إستراتيجياً جعل منه سبباً لمُعظم الحروب التي إجتاحت العالم منذ إكتشافه وحتى يومنا هذا.
وأصبحت الدول التي تُنتج النفط معادلة صعبة على الساحة الدولية إذ نرى أنّ هناك حماية دولية للكيانات التي تُنتج النفط نظراً إلى نسبة تعلّق الاقتصاد العالمي بإنتاج النفط.
ويُعتبر سوق النفط من أكبر الأسواق قيمة وحجماً وتحكمه مُعادلات مُعقدة محكومة بعوامل جيو سياسية وجيو إقتصادية تجعل هذه السلعة عرضةً لتأثير العديد من الأحداث حول العالم.
الإثنين الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن عدم تجديد الإعفاءات للدول التي كانت تستورد النفط الإيراني (الهند، الصين، اليابان، تركيا، كوريا الجنوبية، تايوان، إيطاليا واليونان). وكانت هذه الدول تستفيد من إعفاء من العقوبات الأميركية على النفط الإيراني الذي دخل حيّزَ التنفيذ العام الماضي.
فقبل العقوبات الأميركية على النفط الإيراني، كانت الجمهورية الإسلامية تُصدّر أكثر من 2.4 مليون برميل في النهار وأنخفضت هذه الكمّية إلى 1.7 مليون برميل قبل قرار ترامب إلغاء الإعفاءات عن الدول الثمانية. بالطبع وبسبب العلاقات المتوتّرة بين الصين والولايات المُتحدة الأميركية، صرّحت الصين أنها لن تحترم قرار ترامب بما يخصّ الإمتناع عن شراء النفط الإيراني.
هدف الولايات المُتحدة الأميركية كما صرّح عنه الرئيس ترامب هو صفر صادرات نفطية. بالطبع الردّ الإيراني جاء سريعاً مع تهديدها بإغلاق مضيق هرمز الذي يُعتبر شرياناً حيوياً لنقل النفط حيث إنّ 40% من النقل البحري للنفط يمرّ من هذا المضيق.
ردّة فعل السوق على هذا التوترّ جاءت سريعة إذ إرتفع سعر برميل النفط إلى أعلى مستوى له منذ تشرين الأول العام الماضي. ردّة الفعل هذه آتت نتيجة مخاوف جدّية من نقص العرض ما يُهدّد العديد من الإقتصادات وبالتالي الإستثمارات. أضف إلى ذلك أنّ المضاربين في الأسواق المالية وجدوا فرصة لأرباح قد تكون شبه أكيدة ما زاد من حدّة الإرتفاع.
مخاوف الأسواق مُبرّرة خصوصاً مع الفوضى التي تعمّ فنزويلا التي من المتوقّع أن تنعدم صادراتها في وقت قريب. كما أنّ الوضع في ليبيا يُهدّد صادراتها من النفط ما يخلق فجوة أكبر بين العرض والطلب.
وكأنّ هذه الظروف لا تكفي، فقد أعلنت روسيا عن خفض إنتاجها بقيمة مليون برميل يومياً نتيجة مشكلات تقنية منبعها أعمال تخريبية. وبالتالي من المُتوقّع أن تفوق الفجوة بين العرض والطلب المليوني برميل يومياً!
الولايات المُتحدة الأميركية التي دخلت في كباش مع إيران تسعى من خلال الضغط على دول الأوبك وروسيا لزيادة الإنتاج، إلّا أنّ الوعود التي أُعطيت قد يكون من الصعب تحقيقُها خصوصاً أنّ تأمين مليوني برميل يومياً ليس بأمر سهل لإعتبارات مالية وتقنية.
ويسعى الرئيس ترامب إلى حثّ هذه الدول على زيادة إنتاجها من خلال إتصالات ثنائية مع أعضاء المنظمة. فعلى سبيل المثال طلب ترامب من السعودية والكويت إعادة تشغيل بئر مُشترَك على الحدود بينهما ومُقفل منذ فترة بسبب الخلافات على الحصص، وتبلغ قدرة هذا البئر 500 ألف برميل يومياً.
الأنظار الأميركية تتجه أكثر نحو المملكة العربية السعودية التي تمتلك قدرة على سدّ قسم مهم من النقص. ففي العام الماضي رفعت المملكة من إنتاجها ما أدّى إلى خفض سعر البرميل إلى 55 دولاراً أميركياً. لكنّ هذا السعر لا يُناسب المملكة التي ترى أسعار اليوم مقبولة لأنها تزيد من أرباحها وتُعوّض الخسائر الماضية.
وبحسب التوقعات، من الصعب إنتاج الكمية المطلوبة في وقت قصير، لذا سيعمد ترامب إلى تهدئة اللعبة نظراً إلى أنّ ارتفاع سعر برميل النفط من نفط الشمال إلى أكثر من 80 دولاراً أميركياً سيضرّ بشكل جدّي بالنموّ الاقتصادي الأميركي. لكن في الوقت نفسه سيُعاود تشغيل حفارات النفط الصخري في الولايات المُتحدة الأميركية التي ستعاود ضخّ كميات في السوق ستلجم حكماً أسعار النفط.
على كلٍ يظهر ممّا تقدّم أنّ هناك حالة من الإنتظار لمعرفة مدى إلتزام الدول الثماني بقرار ترامب وتحديد قيمة الفجوة الحقيقية بين العرض والطلب.
لبنانياً، بلغت فاتورة إستيراد المُشتقات النفطية 4.4 مليارات دولار أميركي في العام 2018. ويأتي ارتفاع أسعار النفط ليرفع حكماً من الكلفة على المواطن بالدرجة الأولى حيث نرى التداعيات على أسعار صفيحة البنزين التي ارتفعت 5000 ليرة لبنانية منذ بداية هذا العام لتزيد من كلفةٍ في الأساس هي عالية نتيجة زحمة السير اليومية، وبالتالي فإنّ ارتفاع سعر الصفيحة 5000 ليرة لبنانية على مدّة عام يُقلّل من القدرة الشرائية للمواطن اللبناني بقيمة 330 مليون دولار أميركي. أضف إلى ذلك الخسائر التي ستطال خزينة الدولة نتيجة شرائها المحروقات لوزاراتها ومؤسساتها كما ولمؤسسة كهرباء لبنان.
صحيح أنّ دراسة مشروع موازنة العام 2019 وضعت سقفاً لدعم مؤسسة كهرباء لبنان والمحروقات المُستهلكة في مؤسسات الدولة، إلّا أنّ هذا الإجراء ومع ارتفاع أسعار النفط سيؤدّي حكماً إلى وقف خدمات الدولة من كهرباء، رقابة وحتى الأمن. لذا وباعتقادنا لن يكون هناك إحترام لهذا السقف أقلّه على الصعيد الأمني.
يبقى القول إنّ صباح كل أربعاء هو كابوس على المواطن اللبناني وعلى الاقتصاد وبالتالي هناك إلزامية لوضع إستراتيجية حرارية للدولة اللبنانية، إذ لا يُمكن الإستمرار على هذه الوتيرة مع فاتورة حرارية 8% من الناتج المحلّي الإجمالي وكفاءة حرارية بقيمة 12.6 أي بمعنى آخر كل دولار نفط يُنفق في الماكينة الإنتاجية يولّد 12.6 دولاراً أميركياً مقارنة بكفاءة حرارية في فرنسا بقيمة 42.