IMLebanon

الحكومة أمام خياري الثورة الشعبية او إصلاح الدولة

فوضى ما بعدها فوضى، أدخلت البلاد منذ نهاية الاسبوع الماضي في حال من الهستيريا نتيجة حركة الاحتجاجات المتعاظمة ككرة ثلج والمتناسلة من قطاع الى آخر، مهددة البلاد بثورة شعبية قد يصبح متعذرا اخمادها فيما لو لم يتم تطويقها سريعا من خلال سحب فتيل بنود الموازنة “الحارقة” التي يبلغها النقاش الحكومي اليوم، لا سيما المادتين 60 و61 .

ومع ان جرعة المُسكّن التي وصفها لقاء بعبدا الثلاثي، هدّأت نسبيا روع بعض المحتجين وتحديدا موظفي مصرف لبنان الذين علّقوا اضرابهم حتى يوم الجمعة بعدما حوّل البلاد على مدى اربعة ايام الى “عصفورية” نتيجة اقفال المصرف المركزي وشل حركة المصارف وما يتفرع منها وصولا الى البورصة، نتيجة ما نقله اليهم “الحاكم” بما طمأن هواجسهم، فإن قطاعات اخرى انضمت الى كرة الاضرابات آخرها لموظفي هيئة “اوجيرو” المطالبين بشطب البندين ٥٤ و٦١ في الموازنة في حين تستمر اعتكافات القضاة واضرابات اساتذة الجامعة اللبنانية وموظفي مرفأ بيروت والضمان الاجتماعي وكهرباء لبنان وعدد كبير من النقابات من ضمن اضراب اتحادي المصالح المستقلة والمؤسسات العامة والخاصة وقد ينضم اليهم الموظفون الفنيون في المديرية العامة للطيران المدني اذا ما استثنيت تعويضات ساعات عملهم الليلي بحسب الوارد في مشروع الموازنة.

موجة الغضب الشعبي هذه تلقي بأوزارها الثقيلة على طاولة مجلس الوزراء الذي يعقد جلسات يومية سائرا بين الغام مواد مشروعه الملتهبة قاذفاً الخلافية منها الى آخر الجلسات لبت المتفق عليها وانهائها سريعاً، كما تقول مصادر وزارية لـ”المركزية”، موضحة ان كل فربق سياسي موجود على طاولة مجلس الوزراء مدرك تماما خطورة الوضع والاتجاه الممكن ان تسلكه الامور اذا لم تعالج على المستوى المناسب من المسؤولية والجدية، فخلاف ذلك يعني غرق السفينة بمن فيها. من هنا، تضيف المصادر، يجري النقاش المستفيض والغوص في ارقام كل بند من بنود الموازنة بغية تحقيق النتيجة العملية المرجوة.

من جهتها تؤكد اوساط سياسية عليمة لـ”المركزية” ان مجلس الوزراء بات بعيد حركة الاحتجاجات العمالية الاستباقية امام واحد من خيارين: المس بالعقد الاجتماعي وتاليا مدّ اليد الى جيوب المواطنين بخفض الرواتب وسحب المخصصات والتقديمات او تجميدها لسنوات، وتالياً جرّ البلاد الى ثورة، بعدما تم تسليط الضوء بقوة على تفاوت المعاشات والتقديمات بين قطاع وآخر وبات الانكشاف فاضحا ازاء غياب المساواة. هذا الخيار يكتنف من الخطورة ما لا يمكن للدولة ان تتحمله، خصوصا اذا انزلقت الامور الى انفجار الازمة في وجه المسؤولين في غياب اي تدخل خارجي لردعها، كما كان يحصل سابقاً، ذلك ان الجهات التي لطالما طوّقت الازمات في لبنان منشغلة اليوم بأوضاعها ولم تعد في هذا الوارد.

اما الخيار الثاني الذي يشكل بحسب الاوساط فرصة ذهبية لنقل لبنان من حال “المزرعة” الى واقع الدولة فيقضي برفع كل غطاء سياسي يظلل بعض القطاعات حيث مزاريب الهدر مفتوحة من المعابر غير الشرعية الى التهرب الضريبي الى ضبط الجمارك وغيرها الكثير الكثير… والاتجاه فورا نحو الخطوات الاصلاحية العملية والتعاون مع المصارف في اطار خفض الفوائد وتلبية مستلزمات مؤتمر “سيدر” مع اتخاذ بعض الاجراءات التخفيضية حيث يلزم من باب مشاركة الجميع في الحل كما اعلن الرئيس سعد الحريري من بعبدا امس.

هذا الخيار، تختم الاوساط، اذا ما اتخذ القرار باعتماده، من شأنه ان يصيب عصافير كثيرة بحجر، فيقفل ابواب الهدر والفساد ويقضي على المحسوبيات ويحول الدولة “المارقة” الى قوية ويعيد الى لبنان صورته المشعّة التي شوهتها الممارسات السياسية الخاطئة على مدى عقود، فهل من يملك جرأة اتخاذ هذا القرار؟