ليس توتر المنصورية العالي المتجدد فصولا بين أهالي بلدات عين نجم وبيت مري والديشونية والمنصورية وعين سعادة، سوى وجه من وجوه الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد ولو أن خلفياته محض تقنية بعيدة كل البعد عن الطابع السياسي الذي يحاول البعض إسباغه به.
فعلى رغم أن الأزمة المزمنة التي لم تجد لها الدولة علاجا منذ العام 2005، متقلّبة على جمر المواجهات الأهلية والكرّ والفرّ مع القوى الأمنية المكلفة تنفيذ قرارات حكومية، بدت في آخر فصولها وكأنها كباش بين المعارضة والعهد، إذ تبنى القضية بامتياز حزب الكتائب إن من خلال حضوره ميدانيا عبر نائب المنطقة الياس حنكش الذي نال نصيبه في المواجهات أو بالمنحى المؤسساتي الذي سلكه بجمع تواقيع عشرة نواب لتقديم طعن بخطة الكهرباء التي أقرها مجلس الوزراء غير أن المحتجين يؤكدون تكرارا أن قضيتهم إنسانية بحت وليست موجهة ضد العهد الذي كان نواب تكتله يقفون حتى الأمس القريب في صفوفهم ويخوضون المعركة معهم جنبا إلى جنب مؤيدين مطلبهم الذي يعتبرونه محقا استنادا إلى دراسات تشير إلى خطر على صحتهم يشكله مدّ خطوط التوتر العالي قرب منازلهم.
وفي حين تشير مصادر أهلية إلى أن “المحتجين ينتمون سياسيا إلى مختلف الأحزاب والتيارات”، مذكّرين بأن “المنطقة أعطت 80 في المئة من أصوات ناخبيها في انتخابات أيار الماضي للتيار “الوطني الحر”، ما يدحض محاولات إدراج الحركة الشعبية في الخانة السياسية”، لافتة إلى أن “موقف الكنيسة المارونية من القضية يشكل أبلغ دليل إلى أحقية مطلبهم لاسيما بيان مطرانية بيروت”.
ومع دخول بكركي على خط المعالجة بجمع طرفي النزاع في الصرح البطريركي في محاولة للوصول إلى حل وسطي يقنع الجانبين، علّق الأهالي أمالا واسعة على سلوك القضية مسارا جديدا يأخذ في الاعتبار وجهة نظر الكنيسة المارونية، إلا أن ما خلص إليه الاجتماع فاقم الوضع، في ضوء ما أشارت إليه المعلومات عن أن وزيرة الطاقة أكدت أن “الشبكة يجب أن تمد ولا حل سوى بشراء الشقق كما أخفقت محاولات تشكيل لجنة حيادية اقترحها النائب حنكش في الاجتماع”.
وتبعا لذلك، اعتبرت أوساط متابعة عبر “المركزية” أن “الحل الأمثل يقضي بالاستعانة بلجنة خبراء تقدم دراسة علمية شاملة وتطلع الرأي العام على نتيجتها ليبنى على الشيء مقتضاه، خصوصا أن الأهالي يؤكدون أن الدراسات التي تستند غليها وزيرة الطاقة والتي تبنّت الحكومة الخطة بالاستناد إليها قديمة، فيما الجديد منها يشير إلى نسبة عالية من الخطر على الصحة جراء مد خطوط التوتر بالقرب من المباني السكنية”.
في مطلق الأحوال، توضح الأوساط أن “وضع القوى الأمنية وجها لوجه مع المواطنين العزَّل ومواجهة الكهنة واختراق حرمة الأوقاف الدينية، دعسات ناقصة كان يجب تلافيها لان ارتداداتها ستنعكس سلبا على صورة الدولة، وقد عكس هذه السلبية بيان مطرانية بيروت الذي انتقد بشدة اقتحام القوى الأمنية أرض الوقف التابعة له في محلة القديسة تريز– بيت مري- المنصورية “من دون انتظار أن يفتح لها وكيل الوقف المتواجد هناك بوابة المكان، فأقدم عناصرها على كسرها وخلعها كما أغلقوا جميع الطرقات المؤدية الى الكنيسة فحرموا المؤمنين من الدخول اليها للصلاة حسب المعتاد”.
وذهب البيان أبعد من الدفاع عن أهالي المنصورية والجوار بإشارته إلى “وجوب تشكيل لجنة فنية محايدة، فإذا أثبتت وقوع الضرر على أهل المنصورية يجب إذاك على الدولة أن تنزع هذه الخطوط حتى من الأماكن التي مُدَّت فيها سابقًا مثل منطقة طرابلس وعرمون وصور وبصاليم والبقاع. فالناس سواسية في السراء والضراء”. فهل تتبنى بكركي التي لا يمكن أن يكون بيان مطرانية بيروت صادرا من دون علمها، قضية توتر المنصورية لمناصرة الأهالي أم أن بيان بكركي عقب الاجتماع سيمحو حبر بيان “المطرانية”؟