نَجَحَ عنوانان «طارئان» في إزاحة الأنظار نسبياً عن مناقشات موازنة 2019 التي تَجري في مجلس الوزراء والتي يُراد الانتهاء منها قبل «الويك اند»، تمهيداً لإحالة المشروع على البرلمان و«البناء عليه» دولياً لإطلاق المسار التنفيذي لمقررات مؤتمر «سيدر» التي ارتكزت على سلّة إصلاحات يتعيّن على الموازنة أن «تضعها على السكة».
فبعدما كان لبنان «لا يحكي» إلا أرقاماً ومعادلات حسابية وإضرابات واحتجاجات في الشارع على مدى الأسابيع القليلة الأخرى التي زخرتْ بـ«نقارٍ» سياسي – شعبي، بدا وليد «القلّة المالية» التي جعلتْ أي إجراءٍ «موجع» يطول جيوب ذوي الدخل المحدود ويساوي في مقارباته بين كل العاملين في القطاع العام بمثابةِ «قنبلة موقوتة» قد تنفجر بوجه الحكومة، جاء ملف ما يُعرف بـ«وصْلة المنصورية»، أي مدّ خط التوتر العالي في هذه المنطقة المتنية وامتدادها، واستعادة عنوان «قمع الحريات»، ليحجبا الاهتمام جزئياً عن مداولات مجلس الوزراء الذي عقد جلسة ثامنة أمس الخميس تم التعاطي معها على أنها قد تحمل أجوبة حاسمة حول الخيارات «الملغومة» التي عادت إلى التداول وأبرزها: تجميد نسبة من الرواتب (في القطاع العام) لثلاث سنوات وإذا كان مثل هذا الإجراء سيُعتمد عمودياً (للرواتب الأعلى فقط) أم أفقياً (لكل الرواتب) رغم الاقتناع بأن أي «شموليةٍ» في هكذا قرار ستجعله يحمل «بذوراً تفجيرية» في الشارع، ناهيك عن مسألة رفْع الضريبة على فوائد الودائع المصرفية من 7 إلى عشرة في المئة وإذا كانت ستكون لثلاث سنوات وآليات اعتمادها.
وفيما كان مجلس الوزراء منعقداً، تفاعلت أزمة «وصْلة المنصورية» التي تقابَل بـ«هبّة اعتراض» من أهالي المنطقة الذين يعبّرون عن خشية من المخاطر الصحية (السرطان) التي يرتّبها «العيش» مع الموجات الكهرومغناطيسية ويطالبون بمدّ «التوتر العالي» تحت الأرض، في مقابل إصرار الحكومة ووزيرة الطاقة ندى البستاني (من حصة التيار الوطني الحر) على أن خطر الخيار الأخير أكبر وأن في حوزتها تقارير تنفي وجود أخطار على صحة السكان، مع إصرارٍ على أن إنجاز هذه الوصلة يعدّ مفصلياً في إنجاح خطة الكهرباء التي أقرّت أخيراً وتشكل جزءاً لا يجزأ من مسار خفض العجز المالي في الخزينة.
وعلى وقْع تمسُّك السلطة السياسية بتنفيذ قرارها بحماية قوى الأمن التي لا تنفكّ تصطدم يومياً بالمعتصمين وبينهم رجال دين مسيحيون، بدأ هذا الملف ينذر بمضاعفات استحضرتْ مناخات طائفية، سواء بفعل «مشهدية القوى الأمنية تطرح أرضاً خادم رعية الديشونية للروم الكاثوليك الأب سليم بطاني»، وهو ما نددت به مطرانية بيروت للموارنة، أو نتيجة مواقف المعترضين الذين لا يتوانون عن المجاهرة بـ«استقواءٍ علينا لأن لا ظهر لنا على عكس طوائف أخرى».
وعكس دخول البطريركية المارونية مباشرةً على خط محاولة احتواء «التوتر العالي» بين الأهالي والقوى الأمنية قلق الكنيسة من إمكان انفلات الأمور ورغبتها في التوفيق بين طرفيْ الأزمة على قاعدة تنفيذ الخطة الموضوعة للكهرباء ومراعاة مخاوف الناس. ومن هنا كان اللقاء الذي لم يُفْض إلى نتائج، بين الوزيرة البستاني وكل من رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل والنائب الياس حنكش برعاية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، وذلك بعدما كان زار بكركي النائب ابرهيم كنعان ( من التيار الحر) وعرض سلة مقترحات للحل.
وفي موازاة ذلك، كان ملف الحريات يعود إلى الواجهة بعد الكشف عن أن عناصر من جهاز «أمن الدولة» قاموا يوم الثلاثاء بدخول المبنى الذي تقع فيه جريدة «الأخبار» حيث أخذوا داتا الكاميرات، في تطوّر رُبط بالتحقيق الذي يُجْريه هذا الجهاز بناء على شكوى من وزير الخارجية جبران باسيل في ملف تسريب ثلاثة محاضر ديبلوماسية مُرسَلة من سفارة لبنان لدى الولايات المتحدة، حول لقاءات وفود لبنانية مع مسؤولين أميركيين إلى هذه الصحيفة التي قامت بنشْرها. علماً أن «أمن الدولة» كان دخل أيضاً في اليوم نفسه مبنى وزارة الخارجية وأجرى تحقيقات مع عدد من الموظفين والمديرين.
ورغم أن عناصر الأمن العام لم يدخلوا مكاتب الصحيفة، إلا أن هذا التطور أثار هواجس كبرى لدى الجسم الإعلامي وأطراف سياسيين لم يهدّئها توضيح المديريّة العامّة لأمن الدولة أنّ «الملفّ أصبح في عهدة القضاء المختصّ، وأنّ كلّ أعمال التحقيق كانت بإشارة منه وضمن الأصول القانونيّة المعمول بها».
وقد وصل الأمر برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط إلى السؤال عبر تغريدة: «هل صحيح أن دورية من أمن الدولة أتت لدهم مكاتب الأخبار. هل عدنا إلى أيام المكتب الثاني، واليوم أصبح في لبنان ثاني وثالث ورابع، هل عدنا إلى عهد الوصاية (السورية)؟ كيف يمكن القبول باستباحة الصحافة وغداً كل الحريات الفردية والشخصية، وأين موقف الأحزاب وكبار الساسة والمدافعين عن الحريات؟».
بدوره، حذّر مجلس نقابة محرّري الصّحافة اللبنانية من «أن هناك اتجاهاً لتدجين هذا القطاع وإفراغه من دوره وحضوره الوطني وذلك من خلال تطويقه بالدعاوى والاستدعاءات التي طاولت العاملين فيه (…)»، مضيفاً أنّ «ذروة ما حصل هو ما تعرضت له جريدة الأخبار بذريعة تنفيذ أمر قضائي. وبصرف النظر عن سبب هذا التصرّف والجهة التي أشارت بحصوله، فإنّ نقابة المحررين تعرب عن قلقها الشديد مما تتعرّض له الصحافة خصوصاً والإعلام عموماً، ولا سيما استهداف العاملين فيها بالملاحقات القضائية بغرض الترهيب المعنوي والمادي، وحرفهم عن جوهر مهمتهم».