كتبت رلى موفّق في صحيفة “اللواء”:
يستمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مساره التصاعدي الضاغط على إيران لإخضاعها وفق لائحة الشروط الـ 12 التي حددها كأساس لإعادة عملية التفاوض الشاملة بعد إعلان انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني. لا ينفك عن ممارسة سياسة «العصا والجزرة». فمع مرور سنة على القرار الرئاسي بالانسحاب من الاتفاق وإعادة فرض العقوبات على طهران، وبعد أسابيع من الدخول في مرحلة «تصفير صادرات النفط»، ومن وضع الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب، وقّع قراراً رئاسياً بفرض عقوبات جديدة تستهدف قطاع المعادن الذي يشمل الحديد والصلب والألمنيوم والنحاس ومنتجاته، والذي يُشكّل عشرة في المئة من مجمل صادراتها، إضافة إلى عقوبات ترك مصير تقريرها لوزيري الخزانة والخارجية ضد أشخاص على صلة بهذا القطاع أو يعمدون إلى انتهاك هذا القرار أو يقدمون مساعدة لأي شخص يخضع للعقوبات الأميركية. وفي مقابل عصا العقوبات الغليظة، يُجدّد التأكيد أن يده ممدودة للقاء القادة الإيرانيين للتوصل إلى اتفاق نووي جديد.
ومفهوم الاتفاق النووي الجديد كان يعني بالمنظار الأميركي ضمان عدم امتلاك طهران السلاح النووي نهائياً، ووضع قيود على أسلحتها الصاروخية، والتخلي عن رعايتها وتمويلها الإرهاب بما يشمله ذلك من دعم للتنظيمات المسلحة الشيعية أو السنيّة التي تدور في فلكها، ووقف تدخلها السلبي في المنطقة وتمددها عبر مفهوم «تصدير الثورة» الذي أدى إلى اختراق المجتمعات المحيطة وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية. لم تتطرق الشروط الـ12 سابقاً إلى الشأن الإيراني الداخلي. اليوم يتم الإفصاح رسمياً عن مقاربة مختلفة للموضوع. يشير بيان «البيت الأبيض» إلى «معاملة إيران الوحشية لشعبها»، وتُدرج مسؤولة شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي ضمن الشروط الأميركية للجلوس إلى طاولة المفاوضات التزام طهران باحترام حقوق شعبها. هذا التطور العلني في المقاربة الأميركية يضيف مزيداً من التحديات أمام النظام الإيراني مع وجود «لوبي أميركي من أصل إيراني» يضغط في اتجاه دعم تطلعات الإيرانيين التواقين إلى تغيير «نظام الملالي»، ومعارضة إيرانية في الخارج تجد صداها بشكل كبير لدى مستشار الأمن القومي جون بولتون.
في الإطار الأوسع، يتبلوّر أفق المواجهة في ظل الاستراتيجية الأميركية التي تتكرّس معالمها أكثر فأكثر ويبرز تماهيها القوي مع حلفائها في المنطقة، ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر، في ما خص الموقف من «الإسلام السياسي» بجناحيه وضرورات تفكيك بنيته، سواء أكان «الإسلام السياسي الشيعي» أم «الإسلام السياسي السنيّ» الذي يتأطر في جماعات «الإخوان المسلمين» الأكثر تغلغلاً وقدرة وتأثيراً ليس شعبياً فحسب بل على مستوى منتديات الفكر ومراكز الدراسات العالمية وقوى الضغط عموماً في الغرب. فهذان الجناحان يستمدان قوتهما من بعضهما البعض ويتحالفان في بعض الدول ويتقاطعان في دول أخرى لحماية مصالحهما ونفوذهما المهددَين. وليست الصورة مشعّة لهما سواء في ليبيا أو السودان أو تونس أو الجزائر أو أفغانستان أو اليمن، ولا حتى في تركيا التي تتراجع شعبية رئيسها رجب طيب أردوغان بعدما شكّل رافعة لـ «الإسلام السياسي السنيّ» ونموذجاً للحكم كـ «إسلام سياسي معتدل» قابل للاستنساخ في غير بلد.
فبعد وضع «الحرس الثوري الإيراني» على اللائحة الأميركية الخاصة بالتنظيمات الإرهابية الخارجية، بات قرار إدراج «الأخوان المسلمين» على القائمة، والذي هو مطلب «حلفاء واشنطن» مسألة وقت، لكن العدّ التنازلي له بدأ مع تأكيد «البيت الأبيض» أن ضم الجماعة للقائمة يأخذ مساره داخل الدوائر المحلية لصنع القرار، وإن كان الاعتقاد السائد بأن خطوة كهذه تحتاج إلى ترتيبات صعبة نظراً إلى التعقيدات المحيطة به والتداعيات الناجمة عنه دولياً.
فالمواجهة مع «الإسلام السياسي الشيعي والسنيّ» في ظل الترابط والتشابك بينهما علناً وسراً، وتعدّد الجماعات المسلحة المتفرّعة عنهما والمرتبطة بهما، ستكون مواجهة قاسية ومكلفة وطويلة، لكنها، من وجهة نظر المنخرطين فيها، مواجهة الضرورة لإعادة التوازن الذي اختلّ في العقود الماضية، ولإرساء الأمن والسلم في المنطقة التي تحوّلت أكثر دولها إلى ساحات للصراع العسكري.
في النظرة الأميركية أن نجاح خطة السلام الإسرائيلية – الفلسطينية أو فشلها يرتبط بشكل كبير بمدى نجاح أو فشل تقليم أظافر إيران والتنظيمات المرتبطة بها شيعية كانت أو سنية. واشنطن لوّحت بمزيد من الإجراءات الاقتصادية العقابية ضد طهران إلى أن تُغيّر تصرفاتها جذرياً»، ورفعت في الوقت نفسه استعداداتها العسكرية بإرسالها حاملة الطائرات «إبراهام لينكولن» وقاذفات «بي 52» إلى الخليج العربي في إجراء قال رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة جوزيف دانفورد «إنه لردع التهديد الإيراني في المنطقة(…) وكي لا يكون هناك غموض بشأن استعدادنا للرد على أي تهديد لمواطنينا وشركائنا في المنطقة». وسبقه المبعوث الأميركي براين هوك برسالة واضحة لإيران مفادها «أن واشنطن تُحمّل طهران مسؤولية أي هجوم للميليشيات المدعومة منها، ولن تميّز بين إيران ووكلائها».
وإذا كانت الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو إلى بغداد حملت تحذيراً لإيران عن استعداد أميركا للرد إذا استُهدفت مصالحها، فإنه لم يكن عرضياً بدوره تحذير رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة لطهران من استهداف «الشركاء» في المنطقة، والمقصود هنا السعودية والإمارات.
فإلى المعلومات الاستخباراتية، كان لصيقون بـ «مطبخ حلفاء إيران» يعتبرون أن تعهّد الرياض وأبوظبي بتعويض النفط الإيراني بعد بدء مرحلة «تصفير صادرات النفط» لا بد من أن يُقابل بعمل عسكري أو أمني يُشكّل رداً قوياً على اشتراك جيران لها في خنق اقتصادها واستهداف نظامها، وأن هذا الرد لن يكون بعيداً ولا مموهاً على عكس أي استهداف يطال القوات الأميركية في العراق أو أفغانستان أو مصالحها في العالم، لكن ما لم تستطع إيران وأذرعها العسكرية فهمه أن ترامب الرجل يتعامل برسائل واضحة المعاني والمضامين وليس بالرسائل المُشفّرة!