كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:
يشكو جارنا واكيم من ممارسات زوجته التي بحسب رأيه لم تعد تطاق، فقد وصلت إلى مرحلة من التباهي والتعالي ما يجعل حياته اليومية لا تُحتمل: «عندما تتكلم أو تسير أو حتى وهي جالسة على طاولة الطعام، تظن نفسك في حضرة أميرة، وعليك أن تقدم لها فروض الطاعة على الدوام؛ وهي تعتقد بأنّ الجميع أقل منها قدراً وقيمة، وتريدهم أن يعترفوا بأهميتها ومركزها وقدراتها المميزة، ما ليس له أيّ علاقة على أرض الواقع؛ فزوجتي امرأة عادية جداً، ووضعنا المادي متوسط، إلّا أنها تبذّر المال في كل مكان، تعطي الفقراء، وتهب المقرّبين ما نحن بأمس الحاجة إليه».
لكل إنسان طباعه وميوله، لكل شخصيته الخاصة، لكن ماذا لو كان الآخر يعاني من حالة مرضية؟ كيف نميز بين الثقة بالنفس والتباهي والتعالي والشخصية النرجسية؟ كيف نستطيع أن نميز بين الشخصية النرجسية واضطراب الشخصية النرجسية؟ هل من علاج؟
يزداد التباهي والتعالي في مجتمعنا ويتمادى، فنرى الجميع في سباق على أفضلية اللباس والسفر والسيارات والخروج إلى المطاعم، هذا ناهيك عن الهواتف الأحدث والخروج إلى المنتجعات والسهر، والمزايدات من خلال العطاء والهبات العلنية.
من البديهي أن نرغب بالمظهر اللائق والجميل، ومن الصحي أن نحب أنفسنا كي يصل حبنا للآخر، لكن كلما جنح ذلك، وابتعد عن الواقعية، كلما تعقدت علاقتنا مع المحيطين بنا، ومع القريب قبل البعيد.
ونتطرّق هنا إلى موضوع الثقة بالنفس، فمن الطبيعي أن تثق نيللي، التي تخصصت في مجال الصحة العامة لسنوات بقدرتها على علاج المرضى وتشخيص حالاتهم؛ أما أن تعتقد ممرضة متدرجة بأنها تتفوق على الطبيبة، وبأنّ الأخيرة تغار منها لأنها «أشطر منا بكتير»، وتتوقع منها الإعتراف بذلك، ففي الموضوع إنّ؛ لا بل هي تطلب من الجميع التصريح بذلك علناً، وإلّا فهم أيضاً يغارون منها وسوف تحاسبهم في ما بعد.
لا بأس بأن يحب الإنسان نفسه ويرضى عنها، لكن لا بد أن يبقى ذلك في حدود المقبول. للأسف يعاني الكثيرون من شدة التباهي والتعالي والغرور والإعتداد بالنفس وصولاً إلى درجة اللامنطق، وجنون العظمة.
سننطلق تدريجاً من الثقة بالنفس، والتي تعتبر أمراً طبيعياً وضرورياً للنجاح والقدرة على التفاعل مع الآخر. أما الشخصية النرجسية، فتظهر من خلال الإعجاب الزائد في النفس والشعور بالتميز، بالإضافة إلى الإهتمام الدائم في الذات.
يضع الشخص النرجسي نفسه أولاً، هو الأهم وبعده يأتي الجميع، يعتقد بأنه يتمتع بقدرات متفوّقة جداً على الآخرين. صاحب الشخصية النرجسية لا يؤذي غيره، ونستطيع أن نتعايش معه عندما نتفهّم أنانيته الزائدة.
أما اضطراب الشخصية النرجسية، فهو حالة مرضية، تصعب فيها الحياة مع المصاب بها، فهو يتحول إلى شخص مزعج، أناني، بحاجة للشكر والمديح بشكل دائم ومتواصل، وهو لا يضع نفسه في الدرجة الأولى فقط، ولا يستطيع أن يرى الآخرين بعده، هو لا يراهم أصلاً. يؤذي الآخر ويقهره ويضرّه، ذاته متضخّمة جداً، ويحتاج إلى تضخيم وتفخيم دائم؛ ومثلاً على ذلك أنه لو قام بزيارة أحد، لا يقبل إلّا أن يلاقيه ويستقبله عند وصوله في السيارة، وإلّا غضب وحقد ليحاسبه فيما بعد. هو دائماً على حق، تنطبق عليه مقولة «أنا وبعدي الطوفان».
لكل منا شخصيته الخاصة، أي طباعه وميوله وقدراته وعلاقته مع الآخر، ويتأثر ذلك بالعوامل الوراثية، بالتربية والبيئة الحاضنة للفرد. لكن قد تتدهور صحتنا النفسية بسبب إهمالنا لأعراض نظنّ بأننا نستطيع تخطّيها، كالقلق والحزن الشديد ونوبات الهلع والذعر. وبالتالي يجب علينا مراجعة المختصين عندما نلاحظ تغييراً سلبياً جذرياً قد أصاب سلوكيات أحد المقرّبين، فنوفّر عليه ما هو أعظم.