كتبت كلير شكر في “الجمهورية”:
وليد جنبلاط «إبن» النظام السياسي القائم، ليس فقط في منظومته الدستورية التي كرّسها «اتفاق الطائف»، بل في توازناته السياسية والمالية والسلطوية. أكثر من ذلك هو أحد صانعيه ومن أكثر العارفين بزواريبه وخباياه ومغاراته الخفيّة. ومع ذلك يستغرب الزعيم الدرزي «الاكتشافات» التي فجّرتها نقاشات مشروع الموزانة على طاولة مجلس الورزاء.
يقول جنبلاط في دردشة لـ«الجمهورية» إنّ العمل على وضع موازنة تقشفية تهدف إلى تخفيف العجز في المالية العامة، أزال الستارة عن كنوز من الهدر كانت طوال عقود محصنة بقباب حديدية من السرية.
لا شكّ في أنّ أجواء الرعب التي يثيرها «إنحراف» الموازنة في اتجاه خطّ الفقر التقشفي، بعدما لامست المالية العامة خطوطاً حمراً تُنذر بالأسوأ، حوّلت اللبنانيين خبراءَ ماليين واقتصاديين وصاروا يفقهون لغة الأرقام والنسب المئوية وجداول المقارنات والنظريات النقدية بعدما تبيّن لهم أنّ دولتهم من فوق غير من تحت!
تضجّ مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات «الواتساب» بلوائح إتّهامية قادرة على مواجهة أرباب السلطة باتّهاماتٍ من عيار مليارات الدولارات، بعضها منظور وبعضها الآخر مدفون تحت «سابع» فتوى قانونية تسمح بنهب «جَمَل».
ولا غرابة بالتالي في أن يبدي جنبلاط تعجبّه ممّا يتم اكتشافه يومياً في جداول الإنفاق التي تجري مياهها من تحت أقدام المكلّفين. ولهذا يقول الرجل «إنّ المعركة قاسية جداً وتتطلب توحيد الجهود والكلمة لوضع موازنة متوازنة قادرة على وقف التدهور المالي».
وبينما قرّر العسكريون المتقاعدون تصعيد تحركهم الميداني تحت عنوان رفض «المَسّ بحقوقهم»، مطالبين السلطة «بسحب البنود التي تطاولهم… وإلّا التصعيد في كلّ المناطق»، اختار جنبلاط البند المتصل بوزارة الدفاع، ليصوّبَ على التدبير الرقم 3 وهو الذي يمنح الأسلاك العسكرية ضمائم حربية تعادل ثلاثة أضعاف مدة خدمتهم.
وفي هذا السياق يعتبر أن «لا أحد يريد الاستخفاف بتضحيات الضباط والعسكريين وليس المقصود تحميلهم أعباء «مقص الاقتطاع»، لكن على الجميع المساهمة في ترشيد الموازنة وترشيقها، كما أن من غير المقبول التوسّع في اعتماد التدبير الرقم 3 ليشمل كل الأسلاك العسكرية وكل القطاعات، وهي أصلاً غير متكافئة في مهماتها وأعمالها. كما أنّ الغموض الذي يكتنف هذا التدبير، يدفع للدعوة الى إعادة النظر فيه».
ويؤكد جنبلاط أنّ «من أدبيات «الحزب التقدمي الاشتراكي» البديهية، الدعوة إلى اعتماد الضريبة التصاعدية كونها الأكثرَ عدالةً وتأخذ في الاعتبار الطبقات المتوسطة والفقيرة، ولذا نطالب بتوحيد الضرائب ووضعها على سلّم تصاعدي لا يأخذ من جيوب صغار المكلفين كما يأخذ من جيوب كبارهم، وهذا ما أثاره وزيرا «الحزب» على طاولة الحكومة».
وبالتوازي يعتبر جنبلاط «أنّ ثمّة كثيراً من مواقع الهدر الممكن ضبطها ورفع إيرادات الخزينة جراء الغرف من «آبارها»، ومنها الأملاك البحرية على سبيل المثال لا الحصر، إذ لم تستطع الدولة مواجهة المعتدين والمالكين غير المستحقين من أيام الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولا بدّ اليوم من الاستفادة من هذا «المزراب» الذي تعود أرباحُه إلى «واضعي اليدّ» على الأملاك العامة».
كذلك يدعو جنبلاط إلى «توحيد صناديق التعاضد والصناديق الضامنة لتحقيق مزيد من الوفر». وفي المقابل، يعتبر «أنّ المَسّ برواتب صغار الموظفين أو ذوي الطبقات المتوسطة يقع في خانة الممنوعات التي يرفض الحزب التقدمي المساومة عليها».
وفي انتظار بلوغ مجلس الوزراء «المربعات الساخنة»، التي تحدث عنها ووصفها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، يأمل جنبلاط في «بلوغ نهايات مرضية للجميع تمنع النزيف الحاصل في المالية العامة»، مشيراً إلى أنّ الاتفاق الذي حصل بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري «كفيلٌ بحماية النقاشات على طاولة مجلس الوزراء للتفاهم على موازنة إنقاذية».
في المقابل، يحذر جنبلاط من أن يسعى كل فريق إلى حماية قطاع معيّن ويعفيه من «ضريبة» المساهمة في سلّة الحلول الإنقاذية، لأسباب سياسية أو طائفية، كونها معادلة خطرة ستحمل البلاد إلى مطارح صعبة ودقيقة جداً، مشيراً إلى «أنّ وحدة الموقف والكلمة هي الممرّ الإلزامي للاستفادة من هذه الفرصة الذهبية».