سجل في الفترة الأخيرة اختراق في العلاقة بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديمقراطي طلال أرسلان يتمثل في إسقاط الأول الحق الشخصي عن المتهم بقتل أحد أنصاره في مايو من العام الماضي والذي ينتمي إلى الدائرة الأمنية الضيقة لأرسلان.
وتطرح خطوة جنبلاط تساؤلات خاصة وأنه كان يعتبر القضية مسألة شخصية باعتبار أن المستهدف منها كان موقعه الرمزي والسياسي، وأنه لن يتنازل عن تتبعها وماض فيها للنهاية.
ويرى مراقبون أن تغيير الزعيم الدرزي لموقفه نابع من تقدم حصل على خط الوساطة التي يقودها رئيس الجمهورية ميشال عون في هذه القضية بالذات والتي لم يكشف بعد عن باقي تفاصيلها، في المقابل يعتبر آخرون أن الخطوة تأتي بغرض تبريد الجبهات المشتعلة من حوله.
وتعود حادثة الشويفات إلى مايو الماضي حينما حصل اشتباك بين أنصار التقدمي الاشتراكي والحزب الديمقراطي في المنطقة الواقعة في محافظة جبل لبنان على خلفية احتدام المنافسة على الانتخابات البرلمانية ما أدى إلى مقتل الشاب علاء أبوفرج.
واتهم الحزب التقدمي الاشتراكي المسؤول الأمني لأرسلان بقتل الشاب بعد إطلاق الرصاص عليه، فيما نفى الحزب الدمقراطي التهمة متهما ما أسماه “الطابور الخامس” بالدخول على الخط رافضا في الآن ذاته تسليم المتهم الذي تم تهريبه إلى سوريا.
وكادت الحادثة تتسبب آنذاك في فتنة في المحافظة ذات الغالبية الدرزية، بيد أنه تم تدارك الأمر على المستوى الشعبي سريعا وإن بقي التوتر سيد الموقف، بين الحزبين التقدمي والديمقراطي.
ورفض طلال أرسلان التعقيب على خطوة جنبلاط الأخيرة مشيرا في تصريحات صحافية إلى أنه بانتظار لقاء مع الرئيس عون للبحث معه في مستجدات القضية، حتى يُبنى على الشيء مقتضاه.
وأوضح أرسلان أنّ علاقته مع جنبلاط “لا تزال مقطوعة وليس هناك من تواصل حاليا إلّا بطريقة غير مباشرة عبر رئاسة الجمهورية”، معتبرا أنّ تجربته مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي أظهرت أنّه من الصعب بناء علاقة سياسية ثابتة معه، وأنّ أقصى الممكن هو تنظيم الخلاف بينهما.
وتشي تصريحات أرسلان بأنه متجاوب مع أي خطوة لتخفيف التوتر مع الزعيم الدرزي وإن كان الحذر هو المهيمن. ويقول مراقبون إن رئيس الحزب الديمقراطي ليس في صالحه استمرار القطيعة مع جنبلاط لأن ذلك من شأنه أن يبقي الوضع في جبل لبنان متوترا وهذا لا يخدمه. ويلفت المراقبون إلى أن
موقف “المير” يبقى في النهاية خاضعا لحسابات حلفائه وفي مقدمتهم دمشق، وحزب الله الذي تشهد العلاقة بينه وجنبلاط في الفترة الأخيرة توترا غير مسبوقا.
أمام صمت الحلفاء، وليد جنبلاط بصدد تنفيس الجبهات المحتقنة أمامه، دون أن يعني ذلك رمي المنديل
ويشير المراقبون إلى أن جنبلاط الذي يواجه محاولة من عدة أطراف لحشره في الزاوية وإضعافه سياسيا، يبدو هو الآخر في حاجة ماسة إلى تحييد أكبر عدد ممكن من الخصوم، الذي التقوا للتصويب عليه، ومن المرجح على نطاق واسع أن يكون هذا السبب خلف إقدامه على خطوة التنازل عن الحق الشخصي في تتبع المتهم في قتل الشاب علاء أبوفرج.
ويواجه جنبلاط منذ سنوات حملة ممنهجة تستهدف موقعه، بدأت في فرض قانون انتخابي قلص من عدد نوابه، لتتضاعف الحملة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وما شهدته من “تحرشات” من قبل حزب التوحيد العربي الذي يقوده وئام وهاب والذي انضم إليه لاحقا الحزب الديمقراطي.
ولم تقف الحملة عند هذا الحد حيث استمرت بعد الانتخابات بنسق أقوى من خلال العمل على تحجيم حصته الحكومية بتمسك كل من التيار الوطني الحر وحزب الله بمنح مقعد وزاري من الحصة الدرزية لفائدة أرسلان.
وحرص الزعيم الدرزي في مواجهة هذه الحملة على اعتماد سياسة ضبط النفس، بيد أنه وأمام إصرار مستهدفيه، قرر في الفترة الأخيرة مغادرة مربع الصمت، وشن هجوما معاكسا ركز فيه على المستهدف “الأصيل” أي حزب الله فكان أن اتهم “محور الممانعة” بابتلاع لبنان، وأعاد التذكير بإعلان بعبدا وما تضمنته من بنود حول النأي بالنفس عن أزمات الإقليم ومناقشة الاستراتيجية الدفاعية ومن ضمنها سلاح الحزب، وهذه من الخطوط الحمراء بالنسبة للأخير.
وقابل حزب الله تصعيد جنبلاط بتوسيع الضغوط على الأخير فكان أن استخدم القضاء لإجهاض قرار لوزير الصناعة وائل أبوفاعور بشأن إلغاء ترخيص معمل لآل فتوش كان منحه الوزير السابق حسين الحاج حسن، بالتوازي مع شن حملة إعلامية تولاها حلفاء الحزب يتصدرهم وهاب وأرسلان وجميل السيد.
وأمام صمت الحلفاء المفترضين يبدو أن جنبلاط بصدد تنفيس الجبهات المحتقنة أمامه، والانحناء إلى العاصفة، دون أن يعني ذلك رمي المنديل.