من الخطأ الإعتقاد، ولو لمرة، ان مجلس الوزراء، الذي يواظب على عقد جلسات ماراتونية لإنجاز موازنة العام 2019، لم يكترث لصرخات الشارع. ومن الخطأ النظر إلى المواجهة الجارية بين الحكومة، كممثلة لكل الطبقة السياسية، وجموع المحتشدين في الشوارع وأمام المصارف وفي باحات الوزارات وبين ساحة النجمة ورياض الصلح، من عسكريين متقاعدين وموظفين مدنيين في الإدارات والجامعة وصولاً إلى القضاة، الذين ابتكروا طريقة للتعبير هي الاعتكاف، كأن لا اثر لها ولا معنى.
غير ان، كما يقال، في الأقدار المرسومة ما كتب قد كتب، وما رسم قد رسم.
الوقائع أثبتت بما لا يقبل مجالاً للشك ان توزع عبء الموازنة، لجهة تخفيض العجز ما نسبته بين 8 و9٪، لن يكون إلا بالسير بالنسبة نفسها في انقاص التقديمات 15٪ للمنح المدرسية، وإعادة النظر بالتدبير رقم 3، واستثناء الموظفين التابعين لتعاونية موظفي الدولة من التخفيض، ورفع سن التقاعد في الاسلاك العسكرية من 18 سنة إلى 23 سنة.
والبارز، على الرغم من إعطاء يوم إجازة للوزراء (اليوم السبت)، فإن الرئيس نبيه برّي، الذي استقبل الوزير جبران باسيل، قال: إذا لم يحصل الخفض إلى 9٪ (ونزول)، فالأفضل عدم إحالة الموازنة إلى المجلس النيابي.
على ان مسار التخفيضات ورفع الضرائب على الفوائد كرّس واقعاًَ جديداً في ميزان عجز الموازنة، على ان يستكمل عند التاسعة والنصف من مساء غد الأحد الذي يُمكن وصفه «بالأحد الساخن» في اقتراب غير مسبوق من رواتب العاملين في القطاع العام، وفي الاسلاك المدنية والعسكرية على الرغم من ارتفاع حركة الاحتجاج في الشارع، والمنحى التصعيدي الذاهبة إليه التطورات.
وفي المعلومات ان الاتجاه يدور بين افتراضين: الأوّل اقتطاع نسبة من الراتب.. والثاني تجميد جزء من الراتب، على ان يوضع كسندات خزينة على مدى ثلاث سنوات، ويعود إلى الموظف مع فائدته..
وفي معلومات، ان الاقتراح الثاني يميل إليه الرئيس سعد الحريري، في حين وزراء التيار الوطني الحر، يتجهون إلى الاقتراح الأوّل.
وبالنسبة المقترحة، التي ما تزال قيد التداول تتراوح بين 15 و20٪ من أصل الراتب. أمَّا الفئات الوظيفية التي سيشملها، فلم يحسم وضعها، وان كان ثمة اقتراح بتحييد أصحاب الرواتب ما دون الثلاثة ملايين ليرة لبنانية.
جلسة منتجة
وكان مجلس الوزراء قارب في جلسته التاسعة لدرس مشروع موازنة العام 2019 أمس، عدداً من المواد الساخنة، وأقر بعضها، لا سيما رفع الضريبة على ودائع المصارف والمودعين من سبعة إلى عشرة في المائة، ولكن لمدة ثلاث سنوات تعود بعدها إلى سبعة في المائة كما أقرّ تخفيض المنح المدرسية للموظفين بنسبة 15 في المائة، ما عدا الموظفين التابعين لتعاونية موظفي الدولة.
واجمع الوزراء على اعتبار جلسة الأمس بأنها كانت من أكثر الجلسات انتاجاً، خاصة وان المجلس انتهى من دراسة المواد القانونية وموازنة 7 وزارات.
واوضحت مصادر وزارية لـ «اللواء» ان البحث داخل مجلس الوزراء اتسم بالجدية، وتم الولوج الى مواضيع تمس الجرح النازف المتعلق بالعجز في الموازنة.
وأكدت على ان هذا الأمر استغرق وقتا وانما الموازنة سائرة على طريق الانجاز السريع وقد تحتاج الى جلستين اضافة الى الجلسة التي تقرر ان تعقد مساء الأحد.
واعتبرت ان التحركات الحاصلة في الشارع وكذلك الشائعات عن الوضع المالي يمكن ادراجها في سياق الطب الوقائي، وهي تأتي نتيجة اخبار معينة قد لا تمت الى الحقيقة بصلة احيانا، ونتيجة تضخيم للتوقعات في احيان أخرى، مشيرة الى انها سبب لمرحلة طويلة من انعدام الثقة بين الدولة والمواطن.
واشارت الى انه ينتظر ان تخطو الحكومة في المزيد من اجراءات التقشف في الجلسة المقبلة لا سيما في ما خص رواتب الوزراء والنواب على ان تبقى هناك امور عالقة تبت في المجلس النيابي.
وقدرت مصادر مصرفية، حجم عائدات المساهمة المصرفية في خفض عجز الموازنة بحدود مليار دولار من بينها 600 مليون دولار من رفع الفوائد على الودائع ثلاث نقاط من 7 إلى 10٪ بالإضافة إلى 400 مليون دولار ستوفرها المصارف للخزينة من خلال الاكتتاب بسندات خزينة بفائدة صفر في المائة.
عودة إلى الشارع
وانعقدت الجلسة على وقع اعتصامات وتحركات لبعض القطاعات النقابية وأبرزها اعتصام العسكريين المتقاعدين في ساحة رياض الصلح، شارك في جزء منه وزير الدفاع الياس بوصعب والنائب شامل روكز، وسبقها بقليل اجتماع الرئيس سعد الحريري بالوزير بوصعب ووزيرة الداخلية ريا الحسن للبحث في التوافق على سلة تخفيضات الاسلاك العسكرية والامنية، لكن لم يتم التوصل الى نتيجة، ما دفع العسكريين المتقاعدين المعتصمين في الساحة الى احراق بعض الاطارات والتهديد بتصعيد تحركهم الى اقصاه اذا تم المس بتعويضاتهم وحقوقهم، في وقت نفذت فيه رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، اعتصاماً امام وزارة التربية رفضاً للمساس بالرواتب والتقديمات الاجتماعية.
تزامناً، زار وفد من المصالح المستقلة برئاسة رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر الرئيس الحريري في السراي، وسلمه مذكرة قانونية لشرح وقائع المصالح المستقلة والمؤسسات العامة، مشيراً إلى ان التعرّض للمكتسبات التي هي نتاج عمل دؤوب لسنوات طويلة أمر غير مقبول، مقترحاً اعادة درس كل المواد الواردة ضمن مشروع الموازنة التي تمس المكتسبات.
وقال الأسمر ان الحريري استمع إلى شروحات الوفد ووعد بمعالجة إيجابية.
ومن جهتها، دعت هيئة التنسيق النقابية إلى الإضراب العام والشامل اليوم السبت، وطلبت من الموظفين والأساتذة والمتقاعدين والمتعاقدين إلى التجمع في ساحة رياض الصلح لمواكبة جلسة مجلس الوزراء رغم انها ارجئت إلى الأحد.
وأكدت الهيئة إن «المس بالرواتب مرفوض كليا سواء للذين تبدأ رواتبهم بـ 3 أو 4 ملايين ليرة، فهي نتاج خدمة فعلية تصل إلى 40 سنة، ولا يمكن لأي برنامج محاسبة أن يهضم هكذا قرار يجعل ممن رواتبهم أعلى، تتدنى إلى من هم أقل منهم فتنسف بذلك قاعدة التدرّج الوظيفي وتعم الفوضى، ويسقط معيار سنوات الخدمة، وتسقط بذلك كل التزامات الموظفين المالية تجاه الديون والأقساط المرتبطة بالرواتب، علما بأن المتقاعدين الذين حرموا من مفاعيل المادة 18، وأساتذة التعليم الخاص لم يستفيدوا من القانون 46 ولم تطبق مندرجاته عليهم».
واعتبرت ان «إلغاء المنح المدرسية للقطاع العام، وخصوصا لمنتسبي تعاونية موظفي الدولة، تؤدي إلى كارثة إجتماعية وإقتصادية وتتسبب بهبوط القدرة الشرائية للمواطن إلى أكثر من 30%».
وتضامناً مع دعوة هيئة التنسيق النقابية، أعلنت رابطة معلمي التعليم الأساسي الرسمي الإضراب اليوم السبت في المدارس الرسمية دوام قبل الظهر، فيما اعتبرت رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي إضراب يومي الجمعة والسبت غيضاً من فيض واشارة تحذير مما هو أعظم، ملوحة بالإضراب المفتوح والاعتصام والتظاهر وصولاً إلى مقاطعة الامتحانات الرسمية.
التدبير رقم 3
وسط هذا التصعيد للعسكريين المتقاعدين والموظفين بحث المجلس في تخفيضات الاسلاك العسكرية والتقاعد، ووافق على اقتراح وزير الدفاع الياس بوصعب، الذي ينص على رفع سن الخدمة الى 23 سنة خدمة بدل 18، ورفع سن الخدمة للضابط من عشرين سنة خدمة الى 25سنة. أما ضباط الاختصاص فقد تم اضافة 3 سنوات لخدمتهم من 15 الى 18 سنة خدمة، ليحق لهم طلب التقاعد ويستفيدوا من معاشات التقاعد.
وقال وزير الاعلام جمال الجراح بعد الجلسة: كان هناك بحث جدي بالتدبير رقم 3، وقد ترك لقادة الأجهزة الأمنية تحديد الحالات التي يجوز بها اعتماد التدابير رقم 3 ورقم 2 ورقم 1. وكشف أنه «تم حصر تطبيق التدبير رقم 3 على العسكريين في المواجهة مع العدو الاسرائيلي.
وذكرت المعلومات ان التدبير رقم 3 وفق تصور بوصعب كان مدار بحث معمق ومطول، وهو سيطبق على العسكريين المنتشرين عند الحدود الجنوبية والشرقية والشمالية وفي محيط المخيمات الفلسطينية، على ان يطبق التدبير رقم واحد على سائر العسكريين، على ان يتم الغاء قرار الحكومة عام 1991 تكليف الجيش حفظ الامن في الداخل وتتولى قوى الامن الداخلي مسؤولية الامن ليعود الجيش الى ثكناته من دون استنفار دائم يرتب اعباء مالية. لكن الامر لم يبت بصورة نهائية نظرا لتعارض ما قرره وزير الدفاع مع ما تسعى اليه وزيرة الداخلية ريا الحسن، حيث اختلف تقييم الوزيرين لكيفية خفض الانفاق كل في وزارته، واتفقا على ان يعقدا اجتماعا يوم الاثنين المقبل او ربما قبله للاتفاق على تدابير مشتركة تخص السلكين العسكري والامني، كما ان بعض الوزراء ومنهم وزراء «القوات اللبنانية» طالبوا بتحديد دقائق سريان التدبير رقم 3 هل هو استنفار ام انتشار وهل يشمل مثلا العسكريين المنتشرين في منطقة صيدا والاولي ام عند الحدود الملاصقة لفلسطين المحتلة فقط؟
وقال الوزير بوصعب لدى خروجه انه عرض تصور قيادة الجيش لكن رئيس الحكومة وبناء على طلب وزيرة الداخلية طلب منه التريث والاجتماع مع الوزيرة الحسن للاتفاق على تصور مشترك.
وبقيت نقطة اقتطاع 15 في المائة من رواتب الموظفين فوق ثلاثة ملايين ليرة، وهي لازالت قيد البحث، وقد تقر اذا لم يبلغ خفض العجز النسبة المقدرة من قبل وزارة المال بثلاث نقاط، اما اذا تحقق الخفض فقد لا يقر الاقتطاع.
وانهى المجلس المواد القانونية ومعظم موازنات الوزارات، ويستكمل مجلس الوزراء دراسة الموازنة في جلسة يعقدها الأحد الساعة التاسعة والنصف مساءً وجلسة أخيرة الاثنين.
المنح المدرسية
وكان وزير الصناعة وائل ابو فاعور ووزير التربية اكرم شهيب قد اعلنا قبل الجلسة انهما سيطرحان مجددا رفع تخمينات مخالفات الاملاك البحرية سواء بمرسوم أم من ضمن الموازنة، وخفض التقديمات العالية للمعلمين التي تأتي من دعم الدولة لصندوق التعاضد.
وفيما قال شهيب ان المنح المدرسية خفضت بنسبة 15 في المائة، أوضح الجراح ان قراراً في هذا الشأن لم يتخذ، لكن التوجه هو لاتخاذ هذا القرار بانتظار الاطلاع على الأرقام، كما أشار إلى ان القرار بتخفيض رواتب السلطات العامة (وزراء ونواب)، بنسبة 50 في المائة، لم يتخذ أيضاً، فالجميع يعرف ان هناك نوابا ووزراء مصدر دخلهم الوحيد هو هذا الراتب، وهناك نواب ووزراء آخرون أنعم الله عليهم. لذلك، البحث يجري من هذا المنطلق، فهناك وزراء ونواب يعتاشون من هذا الدخل.
وسئل: هل ستكون هناك استثناءات؟
أجاب: «نبحث عن الطريقة المثلى، لأن السلطات العامة يجب أن تساهم في تخفيض عجز الموازنة، ولو بشكل بسيط».
باسيل في عين التينة
سياسياً، سجلت أمس، زيارة لافتة لوزير الخارجية جبران باسيل إلى عين التينة، لم تستبعد مصادر مطلعة ان تكون لها علاقة بالادعاء على السفير في الخارجية ع.أ. بتهمة تسريب محاضر ديبلوماسية لصحيفة «الاخبار» والمعروفة بـ«واشنطن ليكس»، بخلاف ما قاله باسيل بأن الزيارة هي «لتمتين العلاقة القائمة مع الرئيس نبيه برّي والتي تترجم بتعاون إيجابي في مجلس الوزراء».
لكن على ذمة موقع «الكلمة أون لاين» الالكتروني فإن الزيارة جاءت تتويجاً لوساطات تمكنت من لملمة خلاف نشب بين باسيل وسفيرة لبنان في سوريا فرح برّي وصلت اصداؤه إلى الخارج، على خلفية إجراءات اتخذت بحق سفراء اخضعوا للتفتيش.
وأوضح باسيل انه شرح لرئيس المجلس افكاره في ما خص مشروع الموازنة مؤكداً وجود توافق «بأن الوقت حان لتحسم الدولة أمرها وتقر موازنة غير عادية». وأكّد أن محاربة التهرب الضريبي والاصلاح الحقيقي ضروريان لاقناع الرأي العام اننا ذاهبون الى موازنة تقشفية جدية. وشدد على أن الوضع المصرفي لا يزال متينا مشيرا الى ضرورة «وقف التضخم بحجم الدين والتهريب وإذا لم نفعل سيحدث الانفجار». ولفت الى أنه بحث مع بري ملف الحدود البرية والبحرية وقال: «نسقنا الموقف لمزيد من المتانة ولنحافظ على حقوقنا علماً أنه ما من خوف على هذه الحقوق». وطمأن باسيل أن اسرائيل أعجز من أن تمد يدها على ثرواتنا, إذ لا قدرة عندها في معادلة القوة الموجودة، ولا يوجد شركات تقبل ان تأتي».
واستقبل برّي أيضاً رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان الذي اطلعه على مشروع تقرير اللجنة في ما خص التوظيف العشوائي المخالف للقانون، الذي ستقره اللجنة يوم الاثنين المقبل، مشيرا الي ان عدد الذين تمّ توظيفهم يبلغ حوالى 5000 موظف.
وقال ان التقرير سيعطي إشارة للحكومة وللمجتمع الدولي ان لبنان بدأ فعليا الإصلاح، والمطلوب ان نحترم القانون ولا نخاف من تطبيقه، متعهداً بالذهاب في هذا الملف إلى النهاية، مشيرا إلى ان برّي أعطى توجهاته للمعنيين بأن ليس هناك غطاء لأحد ولن يسمح بأي تدخل سياسي لوقف المسار الرقابي.
وقال: التقرير الرسمي صار عند الرئيس برّي والمعطيات عند ديوان المحاسبة وننتظر القرار لكي يُبنى على الشيء مقتضاه.
وصلة المنصورية
في هذا الوقت، استعادت بلدة المنصورية هدوءها، ولم يسجل أمس أي حراك للاهالي احتجاجاً على الأعمال الجارية في مد خطوط التوتر العالي فوق منازلهم، لكن وفداً منهم زار برفقة النائب ادي معلوف وزيرة الطاقة ندى بستاني التي كانت عقدت قبل ذلك مؤتمرا صحافيا مشتركا مع المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان كمال الحايك عرضا فيه بالمستندات والصور عدم وجود ضرر فعلي من مد هذه الخطوط، كما عدم وجود أي بديل آخر.
ولفتت بستاني إلى واقعة مهمة، وهي ان عدد المنازل كان عند صدور مرسوم استملاك الأراضي لمد هذه الخطوط في العام 1998 أقل بكثير من المنازل التي انشئت بعد ذلك، على الرغم من هواجس السكان بوجود اضرار صحية عليهم، مشيرة إلى انها لا تملك حلا سوى القرار الذي قدمه مجلس الوزراء بشراء هذه الشقق، وشددت على ان الأعمال جارية ولن تتوقف.