Site icon IMLebanon

من قال إن الكبار يموتون؟

كتب رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل في جريدة “النهار”:  

رحل الكبير الى دنيا الكبار، رحل من جسدّ ضمير لبنان وأمته ووجدانه، الثابت الصلب دفاعاً عن قيم الحياة، بالقول والفعل، بالممارسة والإيمان.

هو من امتشق الانفتاح عنواناً، والاعتدال نهجاً، والكرازة بالحق إيماناً.

الذهبي اللسان، ما نطق إلا بكلمة سواء، في الدين والدنيا، في الوطن وفي الطائفة.

لم يكن ثانياً لأحد، بل كان الأول في الاعتدال، الأول في احترام العيش الواحد، الأول في حماية الميثاق، الأول في المقاومة، الأول في الاحتكام الى الكتاب والأول في السيادة.

البطريرك المرن، لم يكن يوماً رافضاً التسويات، لكن بمفهومها السيادي لا السياسي، بمدركاتها الجامعة للصالح العام، لا بفلسفتها الدنيا، ونظريتها الصغرى، الانهزامية، الاستسلامية، التسووية على حساب الثوابت والمسلمات.

البطريرك الفولاذي، لم يكن يوماً متساهلاً في قضايا الوطن، ولا متنازلاً في مسألة السيادة. أراد لبنان للبنانيين، لا تمرّ منه أي طريق لأي وطن آخر إلا للتلاقي وعلى أساس الندية والمساواة.

مشينا معاً وادي قنوبين الزاخر بمعاني البطولة، فكان الصاعد قدماً على طريق المجد، هو من أعطي مجد لبنان.

بطريرك الانفتاح على الحوار الداخلي والجوار العربي، الرافض الانتقاص من عزة لبنان وشموخه بين الدول. صار الثبات لديه، وصارت الصلابة والشجاعة عنده رمزاً فريداً، وقصة أجيال تنمو دفاعاً عن وطن احتلت أرضه وبقي بطريركه صامداً، لا يغريه إطراء، ولا يرهبه إملاء. أوليس غبطته من أجاب رداً على سؤال: “لا أذهب الى سوريا إلا وطائفتنا معنا. وعندما كانت سوريا هنا لم نذهب”.

بطريرك الطائفة عفا عمّا لحق به، وبطريرك الوطن رعى كل المصالحات، وكنت شريكاً وشاهداً على مصالحة الجبل التاريخية التي شكلت الأساس في انطلاقة ثورة الاستقلال الثاني، تماماً كما شكلت رعايته لقاء قرنة شهوان المنطلق للقاء البريستول وثورة الأرز.

كم نحتاج الى تعاليمه وتجربته، الى عقله وحكمته، الى معدنه وقماشته، الى مرونته من دون التنازل عن المسلمات، لننقذ لبنان من الضياع، من اللاوجود، من تغييب المؤسسات والعبث بالكيان والمؤسسات.

قال ما قاله، ورحل، ومن قال إن الكبار يرحلون ويموتون؟