على وقع تصاعد الحركات الاحتجاجية في الشارع، عقدت الحكومة جلسة جديدة ليل الاحد لمتابعة مناقشة موازنة 2019، وخطة التقشّف التي تتجّه نحوها البلاد، تحت ضغط مؤتمر سيدر والأزمات الاقتصادية المتراكمة.
امتدت الجلسة حتى الثانية فجراً، ليخرج وزير الاعلام جمال الجراح معلناً قرارات «عادية» في ما بدا كأنه محاولة لامتصاص غضب الشارع عبر إرجاء بت القرارات التي تتعلق بخفض الرواتب. الجراح أعلن فرض غرامات على التهرب الضريبي ورفع الاجور على اجازات العمل وخفض مساهمة الدولة في بعض الادارات بين 10 و50 في المئة وتشجيع الاستثمار في قطاعات منها تكنولوجيا المعلومات ورفع الرسوم على الطائرات التي تهبط في مطار بيروت. وتفادى الجراح، بالاشارة الى ما يتعلق بخفض الرواتب مرجئاً الأمر الى ما بعد تقدير كلفة الخفض الذي حققته الإجراءات الحكومية حتى الآن، معلناً عقد جلسة ظهر الاثنين.
شراء الوقت جاء بعدما انعقدت الجلسة في ظل تحركات للموظفين حول السراي الحكومي وقدامى العسكريين الذين نصبوا خيماً أمام مصرف لبنان، مع التلويح بتصعيد اليوم بعدما عكست أجواء ما قبل الجلسة اتجاهاً لدى الحكومة إلى نقاش خفض الرواتب. ومع قرار عقد الجلسة ليلاً، بدا كأن الحكومة تحاول تمرير يوم الإثنين من دون إعطاء مادة دسمة للمعترضين من المتقاعدين والموظفين في محاولة لشراء الوقت، قبل انكشاف الإجراءات التي اتفقت السلطة على عناوينها العريضة. ولا تزال التفاصيل موضع نقاش وتجاذب.
وحتى الآن، يبدو أن الإجراءات التقشفية التي اتخذتها الحكومة أسهمت في تخفيض العجز، ولكن لا تزال الموازنة تحتاج إلى ما بين 500 و600 مليون دولار، ليتراجع العجز إلى الحد المطلوب، وهنا تبحث السلطة عن تأمين هذه الاموال من مصدرين: أوّلاً خفض الرواتب وثانياً رفع الرسم الجمركية على السلع المستوردة.
وكان من المفترض، بحسب أجواء ما قبل الجلسة، أن يتم بحث هاتين النقطتين، وكلتاهما تحدّان من القدرة الشرائية وتؤثران على ذوي الدخل المحدود، بمعزلٍ عن الفوائد الأخرى التي يعود بها على الاقتصاد الوطني موضوع رفع الضريبة على البضائع المستوردة.
وبما أن غالبية السلطة متفقة على هذين الإجراءين، يبقى التباين في حالة خفض الرواتب، على الطريقة التي سيتم فيها تخفيض الأجور ومن هي الشريحة المستهدفة والتي ستتأثر بهذا الإجراء، فيما في الإجراء الثاني يظهر التباين في السلع المستهدفة من رفع الضريبة، إذ إن التيار الوطني الحرّ مثلاً، اقترح رفع الضريبة 3% على كامل السلع المستوردة، فيما يقترح حزب الله رفعها على السلع الكمالية وتلك التي يمكن استبدالها بسلع محليّة للحدّ من العجز التجاري. وهذا الطرح، أي رفع الضرائب على السلع الكمالية، يسهم أيضاً في الحدّ من الحاجة إلى خفض الرواتب ونسبة هذا التخفيض، علماً بأن هذا الإجراء سيدفع الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراض، بحجّة التزام لبنان بالسوق الأوروبية، على رغم أن نصوص الاتفاقيات واضحة لجهة حق لبنان في إيجاد آليات لفرض رسوم حمائية، عندما يكون ميزان المدفوعات في حالة عجز.
وبحسب ما رشح من الجلسة، فإن النقاش دار حول موازنات عدد من الوزارات، علماً بأن غالبية الوزارات تقدمت بموازناتها يوم الجمعة، وبقي بعضها، ومنها الخارجية والطاقة التي استمهلت حتى يومي أمس وأول من أمس.
وعلى ما نقل بعض الوزراء، فإن المتوقّع أن تستمر الجلسات حتى يوم الأربعاء قبل تحويل الموازنة إلى المجلس النيابي، ما يعني بقاء التوتر في الشارع والاعتصامات والتظاهرات، وإمكان تمددها في حال شروع الحكومة في إجراءات قاسية تطال الرواتب.
وعلمت «الأخبار» أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة استدعى أمس عدداً من الموظفين الذين يتولّون مهام مؤثّرة في عملية التبادل المالي مع المصارف الأخرى والتحويلات المالية، وطلب منهم النوم في المصرف تحسبّاً من قطع الطريق من قبل المتقاعدين، حتى لا ينعكس هذا الأمر على العمليات المالية والمصرفية في البلاد.