Site icon IMLebanon

عند رحيل العظماء

كتب النائب ماجد أدي أبي اللمع في “النهار”:   

عند رحيل العظماء، يصيب التّاريخ وَجَلٌ ويعتري حراكه ألمٌ…

عايشتُ غبطة البطريرك صفير طيلة سنوات. عرفته رجلاً يُتقن مهارة الاصغاء بامتياز.

قليلُ الكلام كثيرُ العمل والحركة.

لقد كان وفيًّا لخيار نضال القوات اللبنانيّة حين تمّ حل حزبها وزُجّ رئيسها في المعتقل.

كيف لا وهو الذي حمل همّها وهم القواتيين طيلة احد عشر عامًا.

حين كنتُ أجالسه، كان يسألني عن كلّ شاردة وواردة تتعلّق بالدكتور سمير جعجع وبالقواتيين. كان يحب أن يقف على حقائق الأمور والمعاناة التي كانت تعيشها القوات في تلك الحقبة.

لقد أصرّ على ضمّ القوات اللبنانيّة الى لقاء قرنة شهوان، في حين كانت سلطة الوصاية السوريّة تُمعن في ضربها ومحاولة تشتيتها.

كان يدرس خطواته ومواقفه بشكل مُتقن، الى حين إعلانها كي لا يستطيع أحد من مواجهتها.

كان الحاضن والدّاعم الأوّل للسياديين في لبنان زمن عهد الظّلم والظّلام.

كانت مواقفه وعظاته الإيمانيّة تبعث النور في ظلام تلك الحقبة السوداء، وكان كلامه يمدّنا بقوّة إيمان روحيّة وتصميم لم تمدّنا به القرارات الدولية بنصوصها.

لقد علّمنا كيف أنّه بالإيمان وبالكلمة وبالصّبر على الصّعاب، نصنع الأوطان، وكيف أنّ نقطة الماء المستمرّة تحفر عمق الصّخرة.

فهو الذي أطلق شرارة انتفاضة الاستقلال في بيان مجلس المطارنة الموارنة في أيلول عام ٢٠٠٠، وأعطانا أمثولة في الثّبات على مواقفنا مهما كانت الظروف قاسية، وكيف أنّ أهدافنا ببناء وطن نبلغها بمراكمة الأحداث وبالعمل الدؤوب، لا بالمواقف العشوائيّة والغرائزيّة والديماغوجيّة.

لقد عمل البطريرك صفير جاهدًا على إرساء مصالحة الجبل التاريخيّة، وأعاد الجبل الى تاريخه الاستقلالي…

وكان يعمل بهدوء وبشكل متواصل على إيجاد الظروف الملائمة بغية المطالبة بخروج الدكتور سمير جعجع من معتقله، وهو الذي أفرد له الكثير من عظاته ومن وقته بهدف الوصول الى تحريره.

لقد كان على رأس مسيرة النضال السلمي لاستعادة لبنان حرّيته واستقلاله في العام ٢٠٠٥ وكان وفيًّا لتضحيات شهداء ثورة الأرز بوقوفه الى جانب العدالة الدوليّة والى جانب حصريّة السّلاح بيد الشرعيّة.

لقد رحل البطريرك صفير. وبرحيله أكّد كما بعد استقالته، أنّ الكرسي لا يضيف الى الكبير، إنّما يستعطي كبره، وليثبت أنّ البطاركة الحقيقيين هم الذين يستمرّون بطاركة، ليس بعد ولايتهم فقط، إنّما بعد الموت أيضًا.