كتب فؤاد ابو زيد في “الديار”:
معرفتي بالبطريرك التاريخي نصر الله صفير، تعود الى العام 1952، بعد ان اختاره البطريرك بولس المعوشي ليكون امين سره، ولان والدي ووالدتي، كانا على صداقة قوية مع البطريرك المعوشي، اولاً لانه ابن مدينة جزين، وثانياً لان الصداقة القوية، ربطت بينهما وبينه اثناء وجوده كمطران على ابرشية مدينة صور، ولذلك كان ترددهما على بكركي امراً طبيعياً برفقة العائلة بناء لرغبة البطريرك المعوشي، وكان «ابونا» نصر الله، يلفتني بهدوئه وقلة كلامه، وابتسامته الدائمة، التي انتقلت معه الى بطريرك جديد، هو البطريرك خريش الذي انتخب خلفاً للمعوشي.
زياراتنا الى بكركي قلت، ولكنها لم تنقطع، فالبطريرك خريش، من الجنوب ايضاً، وزواجي كان على يده، عندما كان مطراناً على صيدا ودير القمر، وكنا نزوره، ونحرص على سؤال خاطر «المطران» نصر الله، الى ان توفي خريش في ظروف الحرب في لبنان، ورغب الفاتيكان ان يتسلم المطران ابراهيم الحلو السدة البطريركية، في حين كانت الاحزاب المسيحية وفي مقدمها القوات اللبنانية، ترغب بانتخاب المطران يوسف الخوري، بطريركياً، ومن الصدف ان الحلو من مدينة جزين والخوري من بلدة بكاسين، لكن ايهما لم يحصل على الاكثرية المطلوبة في الجولات المتعددة، فتدخل الروح المقدس مع المطارنة وتم انتخاب المطران نصر الله صفير بطريركياً على كرسي انطاكيا وسائر المشرق للطائفة المارونية، واثبتت الايام كم كان هذا الاختيار في مكانه الصحيح، واعطي مجد لبنان لهذا الكاهن والمطران النحيل العود القوي في الشدائد، الصلب عند القرارات، اللين عندما تقتضي مصلحة لبنان ذلك، وهو الذي قاد سفينة بكركي، والى حد بعيد سفينة لبنان الكبير، الى شاطئ الامان، في منطقة تغلي بالاحداث والحروب، ولبنان في قلبها، وكثرت زياراتي الى بكركي في تلك الفترة العصيبة من تاريخ لبنان، وتاريخ الكنيسة المارونية، للاطمئنان اليه، او لنقل شكوى، او للاستئناس بارائه بعد كل زيارة الى الخارج، ويمكن القول ان نصر الله الكاهن، ونصر الله المطران، ونصر الله البطريرك والكاردينال، بقي هو هو، المتقشف، الهادئ، الصلب، المنفتح، المتمسك بدينه ووطنه وبالعيش الواحد بين اللبنانيين، وقبل كل شيء بالحرية والسيادة والدولة القوية.
قلت في تعليقاتي على فيسبوك، «رحل البطريرك القديس، بكركي في سواد…لبنان في حداد…السماء في عرس. واضيف اليوم، انه «بطريرك…السهل الممتنع».
كانوا ثلاثة مقربين من بعضهم بعضاً، وثلاثتهم رحلوا الى السماء في فترة زمنية قريبة، البطريرك صفير، المطران ابو جودة، الأب عويط، رحم الله الثلاثة.