Site icon IMLebanon

كاردينال في السياسة وبطرك في الدين

كتب عوني الكعكي في صحيفة “الشرق”:

رحم الله غبطة الكاردينال البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الذي غادرنا عن عمر 99 عاماً قضاها في خدمة الرعية والوطن والفقراء والمعوزين.

الوحيد الذي رفض أن يذهب الى دمشق وكان يقول: ما الذي تغيّر لأذهب؟ لن أذهب إلاّ ورعيتي معي. وأيضاً: قلنا ما قلناه، ليس لسوريا حلفاء في لبنان، بل لسوريا في لبنان عملاء.

الوحيد الذي بقي يردد في كل عظة رفض أي وجود غير لبناني في لبنان.

لم يهادن، لم يساوم، لم يتردد، لم يتراجع(…) حتى ان موقفه من سلاح المقاومة كان واضحاً برفض أي بندقية خارج الشرعية.

همّه الكبير كان وحدة الكلمة عند رعيته، حاول مراراً وتكراراً أن يجمع السياسيين عنده من أجل توحيد الكلمة فنجح حيناً ولم يوفق حيناً آخر.

حمل قضية لبنان الى المحافل الدولية والأممية والدينية من الڤاتيكان الى روما الى واشنطن الى نيويورك الى أميركا الجنوبية الى كندا الى اوستراليا(…) الى مختلف بلدان الانتشار اللبناني، لم يترك بقعة من الارض يقيم فيها لبنانيون إلاّ زارها.

شجّع على بناء المدارس في دنيا الاغتراب ليبقى اللبناني مرتبطاً بكنيسته وبوطنه.

لم يكن يوماً من الأيام طرفاً بل كان جامعاً في أصعب الأيام وأكثر الظروف دقة، بقي موقفه هو هو: يدعو الى المحبة والالفة والوفاق.

كان يؤمن بحوار الأديان، يؤمن بالعيش الواحد بين اللبنانيين خصوصاً بين المسلم والمسيحي، وكان يشجع الحوارات التي تدعو الى التقارب ويشارك في الكثير منها مباشرة أو بمن يمثله.

كان كل مرة يزور فرنسا يطلب من رؤسائها مساعدة لبنان والتوسط مع الاميركيين للحفاظ على لبنان ووحدته وعيشه المشترك.

رحّب بـ»اتفاق الطائف» وأيّده، ولكن كان يردد في كل مرة: علينا أن ننفذه قبل الحكم عليه، خصوصاً للذين يطالبون بتعديله كان يقول: نفذوه ثم لكل حادث حديث.

كان على مسافة واحدة من الزعماء المسيحيين كلهم، كان رجل تسامح حتى مع الذين أخطأوا بحقه وأساؤوا إليه من جميع الفئات، لم يحقد على أحد، والعكس صحيح كان على مبدأ «المسامح كريم… وكلهم أولادي، ويجب أن أتحمّلهم وأن أسامحهم».

رحيل الكاردينال صفير ليس خسارة مسيحية وحسب بل خسارة للوطن، للبنانيين جميعاً، للمسيحي كما للمسلم.

تغمّد الله فقيد لبنان الكبير بواسع رحمته وأسكنه فسيح جنانه.