Site icon IMLebanon

علاقة صفير بـ”القوات”: من مربّع الحذَر إلى تبنّي قضيتها!

كتب فرج عبجي في جريدة “النهار”: 

محبة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير محفورة في وجدان جمهور حزب “القوات اللبنانية” الذي لا يتردد في التعبير عنها في أي مناسبة حزبية أو وطنية. ولعل القداس الذي اقامه الحزب في ايلول من العام 2011 في الملعب البلدي بجونيه تخليداً لذكرى شهداء المقاومة اللبنانية، وتحوّل تحية إكبار من الحزب ورئيسه الدكتور سمير جعجع الى المرجعية الوحيدة التي وقفت الى جانب “القوات” وقضيتها في ايام الجلجلة الطويلة، خير دليل على ذلك. ومع رحيل بطريرك الاستقلال الثاني كما تسمّيه “القوات اللبنانية”، تخسر السند الاكبر الذي رفض التخلي عن قضية مجموعة حُكم عليها بالالغاء والتعذيب والنفي. وبخلاف ما يعتقد البعض، فان العلاقة العفوية والندّية بين صفير و”القوات” لم تكن كذلك قبل اتفاق الطائف. فالعلاقة بين المرجعية الكنسية المارونية وبين “القوات” كان يشوبها الحذر منذ لحظة انتخاب صفير حتى اتفاق الطائف. وبعد العام 1994 توطدت العلاقة واصبحت صلبة جداً وبات البطريرك الحاضن الاكبر لقضية “القوات” وكلمته عندها مسموعة جداً، لا بل مقدسة.

علاقة غير مستقرة وحذرة

وفي هذا الاطار، يسرد النائب السابق ايلي كيروز، الذي تولى مع النائبة ستريدا جعجع ادارة العلاقة مع سيد بكركي بعد اعتقال “الحكيم”، تفاصيل خريطة التقارب والتباعد معه.

وعن النقاط الخلافية وحقبة الحذر، يقول في حديث الى “النهار” ان “العلاقة بين القوات والبطريرك صفير لم تكن قبل العام 1994 كما كانت بعده، فقد راوحت ما بين هبوط وصعود بحسب العناوين والتطورات السياسية، وطبَعَها نوع من الحذر في ضوء اختلاف الرؤية حول عدد من القضايا. وعقب انتخاب البطريرك صفير، استمر التباين في ضوء موقف الكنيسة العام المتحفظ من بعض المواضيع تبعاً لبعض التحولات العسكرية والسياسية داخل الاحزاب المسيحية وعلى الساحة المسيحية”.

مرحلة التقارب وترسيخ الثقة

اما بالنسبة الى “حرب التحرير” واتفاق الطائف، فيؤكد كيروز ان “تقارباً كبيراً وواضحاً حصل بين سيد بكركي والقوات، وتبلور اكثر فأكثر بعد نهاية الحرب واستشعار الخلل الكبير بين مستوى التوازن اللبناني وتطبيق الطائف والعلاقات اللبنانية – السورية”. وتابع ان “العلاقة مع البطريرك صفير بدأت منذ اليوم الاول للمحنة وسط كمّ من السلبيات، وكان لا بد من إعادة بناء العلاقة والثقة معه وتظهير الوجه الحقيقي للقوات اللبنانية. لقد اردنا ان نضعه دائما في جو ما يجري معنا من ارتكابات وانتهاكات. في البدايات، كان من الصعب علينا ان نقنعه بوجهة نظرنا وبأننا مظلومون في ظل المناخ العام الذي كان يحيط به. وكانت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني آنذاك حريصة على توفير ضابط كبير لينقل اليه اجواء المديرية للتعكير على القوات”.

واضاف ان “العلاقة رست بسرعة ومشت في عروقها ثقة متبادلة وكبيرة. كنا نقصده للتشاور في الاستحقاقات وفي كل مرة يتعرض اي قواتي او قواتية للتوقيف او التحقيق او التعذيب، وكنا دائماً نجده في أي ساعة، وكان دائماً يستقبلنا في القاعة الكبرى ويصغي الينا ويتصرف. كنا ننقل اليه معاناتنا وهمومنا والظروف القاسية التي يعيشها قائدنا في زنزانته ومع جلاديه”.

بطريرك الاستقلال الثاني

وعن مرحلة ما بعد خروج جعجع من المعتقل، يعتبر كيروز انها كانت الحقبة الاقرب في العلاقة مع البطريرك. ويقول: “بعد خروج الدكتور جعجع من المعتقل استمرت العلاقة الجيدة مع البطريرك صفير، ولا سيما ان القوات اعتبرته بطريرك الاستقلال الثاني وكان له دور اساسي في حصول الانسحاب السوري من لبنان وفي عقد مصالحة الجبل”.

ويعدد كيروز نقاط التقارب مع البطريرك صفير، ويؤكد ان “القوات التقت مع صفير حول مجمل العناوين السيادية لجهة استعادة الاستقلال والحريات والعدالة والشركة الحقيقية والمتوازنة ورفض السلاح غير الشرعي واستبدال الوصاية بوصاية اخرى، وادى هذا المسار الى ترسيخ العلاقة بين صفير وجعجع، ما يؤكد ايضاً وايضاً عمق العلاقة بين البطريرك والقوات، وكذلك العاطفة العفوية التي يكنّها الجمهور القواتي لشخصه والتي تعبّر عن نفسها في مختلف المناسبات”.

ويكنّ كيروز معزة خاصة للبطريرك صفير ويحب ان يسميه “بطريرك الاصغاء الدائم”. ويقول: “لقد شعرت بمحبة البطريرك للقوات وبأبويته لقضيتنا في كل مرحلة الاضطهاد والاعتقال في كل المحطات، عندما رفض كل الضغوط ورفع الصوت عالياً في زمن اختناق الاصوات، ضد ما يحصل واحتضن قضيتنا يوم تخلّى الجميع عنها. لقد رفع البطريرك الصوت في اللحظة التالية للجريمة في 27 شباط 1994 والتمييز في التعاطي بين اللبنانيين نتيجة سياسة الكيل بمكيالين والصيف والشتاء على سطح واحد”.

ومن المواقف التي حفرها البطريرك صفير في وجدان “القواتيين”، يذكر كيروز ان “هناك اكثر من موقف للبطريرك صفير حفر في وجداني، لكن الموقف الاول يبقى في ذلك اليوم الذي أعقب اعتقال “الحكيم”، عندما توجه الناس من كل المناطق الى بكركي ليشتكوا للبطريرك وليعرضوا عليه قضيتهم، وتولت وحدات من الجيش في بكركي استقبالهم. كان الناس يومها بحاجة الى كلام من البطريرك يخفف وجعهم، وبالفعل لم يترك البطريرك الناس بل خرج وتحدث معهم ووعدهم بعدم ترك هذه القضية. في ذلك اليوم كنّا في المرحلة الاولى في الجلجلة اللبنانية والقواتية الطويلة التي امتدت نحو 11 سنة”.