Site icon IMLebanon

بطريرك المصالحة الكبير

كتب علي حمادة في صحيفة “النهار”:

كثيرون سيكتبون ولمدة طويلة عن مزايا البطريرك الكبير مار نصرالله بطرس صفير، وهي عديدة في الدين، والاخلاق، والمناقبية، والوطنية، والصلابة، والعلم. وكثيرون سيرثونه كرجل المحبة والسلام، ورجل الوطنية والاستقلال، واكثر من ذلك كثيرون سينشدون في البطريرك الراحل عن عمر يناهز القرن رجلا طبع البلاد والعباد، ومهر مرحلة من تاريخ لبنان العصيب بطابعه وبكلامه ومواقفه. ومهما قيل في الراحل من مديح لشخصه ولاعماله لن تفيه حقه كبطريرك تاريخي، يقف اليوم في صفوف البطاركة العظام للموارنة. لكن ما يميز البطريرك مار نصرالله بطرس صفير عن اسلافه ان من يبكونه اليوم من المسلمين والدروز لا يقلون عددا عن المسيحيين، ولا حزنا عن اتباع كنيسته. من هنا ميزة الراحل الذي تكمن حقيقة في انه يعبر فوق الانقسامات الطائفية، ويطوي صفحات سوداء من الحرب اللبنانية بعقل القائد الروحي الرؤيوي.

لقد اصطلح على تسمية البطريرك صفير ببطريرك المصالحة نسبة الى المصالحة التاريخية في الجبل التي ارسى دعائمها مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وكانت من دون ادنى شك احدى الشرارات الاساسية لمعركة الاستقلال الثاني التي جمعت في ابهى لحظاتها المشرقة الثلاثي صفير – الحريري – جنبلاط، وانتهت باخراج الوصاية الاحتلالية من لبنان، وان على دماء رفيق الحريري.

لقد استطاع البطريرك صفير منذ نداء بكركي سنة 2000، وملاقاة وليد جنبلاط النداء بموقفه في مجلس النواب بدعوته الى اعادة تموضع الجيش السوري، وما تبع ذلك من احتضان لمنابر استقلالية مثل “لقاء قرنة شهوان”، و”المنبر الديموقراطي ” اللذين شكلا مع غيرهما من المنابر اوسع مروحة وطنية شاركت بفاعلية في صوغ مشروع الاستقلال.

واذا كان من محطة تاريخية ساهمت بشكل كبير وعملي في منع انزلاق البلاد نحو عصر احتلال سوري كامل، فهي المصالحة الكبرى في الجبل التي رعاها صفير مع شريكه في الجانب الدرزي وليد جنبلاط، وشكلت عصبا مركزيا للمرحلة التي تلتها، مع انضمام شريكهما الثالث رفيق الحريري، الذي كان يشكل احد المحركات غير المنظورة لقاطرة الاستقلال.