كتب الدكتور توفيق هندي في “النهار”:
صحيح أن المجد أُعطي له. والبطريرك مار نصرالله بطرس صفير إستحق هذا المجد بامتياز، فالظروف لا تكفي لخلق الرجل التاريخي.
انتُخب صفير بطريركاً في 19 نيسان 1986، أي بعد 94 يوماً على انتفاضة 15 كانون الثاني 1986 التي أطاحت الإتفاق الثلاثي. كان الظرف صعبا وسوف تظل الظروف صعبة طوال حبريته التي امتدت زهاء 25 سنة.
غير أن ما جعل منه بطريركا تاريخيا هو طينته، معدنه، أي الصفات التي تميز بها. فهو يشعّ بالقوة الهادئة، وهي أفعل أنواع القوة.
كان لصفير إدراك عميق لدور البطريركية المارونية في الحفاظ على الكيان اللبناني، لبنان الرسالة، المميز في محيطه العربي ولكن ليس عنه، لبنان المساحة الحضارية وليس فقط المساحة الجغرافية، حيث تتفاعل إيجابيا الثقافات والأديان والطوائف، أو هكذا يجب أن يكون.
كان يدرك تماما أن لبنان والحرية صنوان، وأن لبنان من دون الحرية يفقد علّة وجوده. والحرية تعني حرية الإنسان وحقوقه في حرية المعتقد والتفكير والتعبير والكتابة، وتعني الحريات الجماعية، من حرية الصحافة وحق التجمع والعمل والحرية الإقتصادية والحرية السياسية، حرية مسؤولة منتظمة في إطار نظام ديموقراطي.
كان متمسكا أيضا بحرية الوطن والشعب، وكان هذا الأمر يتجسد بالتمسك بالدولة وتنفيذ الدستور والقوانين والحفاظ على انتظام الحياة السياسية في مؤسسات الدولة وسيادة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية على كل الأراضي اللبنانية وحصرية امتلاك السلاح وتحريكه في يد السلطات الشرعية اللبنانية، واستقلال لبنان الناجز ورفض الوصايات الخارجية والإحتلالات أكانت إسرائيلية أم سورية أم إيرانية، وعدم الدخول في لعبة المحاور الإقليمية القاتلة ورفض علاقات أي دولة بأي طرف لبناني، على أن تكون علاقات لبنان بأي بلد من دولة إلى دولة.
كان يتمسك بالعيش المشترك، ولكن في الوقت عينه بالحضور المسيحي الفاعل من منطلق الحفاظ على الكيان اللبناني الذي أراده وسعى إليه البطريرك الحويك، وكان يعتبر أن البطريركية المارونية أوكلت إليها حراسة هذا الكيان المميز وأن دور لبنان في العالم العربي هو رفده بهذه التجربة الفريدة في التفاعل بين الأديان والثقافات.
أسمح لنفسي بأن أتحدث عن رؤيته هذه لأني كنت لصيقا به طوال حبريته وفاعلا إلى جانبه.
وقد قاد الحركة السيادية بحكمة وصلابة ولكن بدون تهوّر. وكان الغطاء المسيحي والوطني لاتفاق الطائف وإلى جانبه شكلت “القوات اللبنانية” الغطاء السياسي المسيحي لهذا الإتفاق. لكن الظروف الدولية والإقليمية وضعت أمر تنفيذه في يد سوريا – الأسد. فلم ينفذ الوصيّ منه إلا ما هو في مصلحة تسلطه على لبنان.
وفي أيلول 2000 كان نداء بكركي الشهير لخروج الجيش السوري من لبنان، وقبل هذا التاريخ “لقاء قرنة شهوان” غير المعلن وتحوله في 30 نيسان 2001 إلى صيغته العلنية الموسعة.
وعند عودته من أميركا في شباط 2001، توافدت الحشود (أكثر من 250000) إلى بكركي لاستقباله ومبايعته قائدا للحركة السيادية، فكان لهذه الحركة في لبنان قائد وشعب وساعد سياسي، أعني “لقاء قرنة شهوان”.
أختم بالقول إننا سوف نكون أوفياء لتعاليمه لنخرج لبنان من تحت الوصاية البديلة والطبقة السياسية الملحقة بها، والتي تعبث بالكيان والدولة والحرية والسيادة والإستقلال.