كتب كلير شكر في صحيفة “الجمهورية”:
في خضمّ الفوضى التي تثيرها نقاشات مشروع الموازنة على طاولة مجلس الوزراء، تحت ضغط مخاوف كل القطاعات من الأثمان التي ستتكبّدها في إطار مساهمتها لخفض العجز في المالية العامة، والتي نقلت الاعتراضاتِ إلى الشارع، ولا سيما منها إعتراضات موظفي القطاع العام والعسكريين، خرج الكلام حول قانون الانتخابات… من العدم! هكذا قرّر رئيس مجلس النواب نبيه بري فتحَ ملف قانون الانتخاب، وهو من أكثر الملفات حساسيةً وقدرةً على جذب الخلافات والنزاعات بين القوى السياسية.
لا يزال مشهد الولادة القيصرية التي خضع لها القانونُ الانتخابي الحالي (الدوائر المتوسطة وفق نظام النسبية)، وما سبقتها من «ابتكارات» لاقتراحات مثيرة للجدل، وضِعت على مشرحة القوى السياسية التي تحولت كلها «مصانع خصبة» لإنتاج الأفكار والمشاريع الهادفة إلى دفن «قانون الستين» وصوغ قانون جديد ينجح في اختراق الاصطفافات ويحظى برضى أهل السلطة… حاضراً في الأذهان.
لا شك في أنّ اعتبارين أساسيَّين تصدّرا المعايير المخفية التي غلّبتها القوى الممسكة بالسلطة وتالياً بـ«رقبة» القانون، على ما عداها: الأول هو سعي المنظومة الحاكمة إلى الحفاظ على مكانتها في التوازن الجديد الذي ستنتجه صناديق الاقتراع، والثاني هو تركيز قوى الثامن من آذار على تكريس معادلة نيابية جديدة تساعدها على «طبش» كفة ميزان البرلمان لمصلحتها، خصوصاً وأنّ «قانون الستين» الذي تحكّم بالمسار النيابي منذ العام 2005 سهّل منحَ الغالبية النيابية لخصومها.
هكذا وُلد قانون الدوائر المتوسطة من رحم فوضى الاقتراحات التي نُبشت من تجارب الدول المتقدمة، ليضيف الصوت التفضيلي إلى معارك اللوائح، حروب قاتلة بين رفاق اللائحة الواحدة. لا بل أكثر من ذلك، ساهم القانون في تأجيج الخطاب الطائفي، فيما سعّر «الاقتتال» حول الصوت التفضيلي النزاعات المذهبية.
في النتيجة، خرج الجميع صبيحة ولادة برلمان 2018 ناقماً على القانون، شاحذاً سكينه ضده ومتوعّداً بتعديله في اللحظة المؤاتية.
ولهذا ربما، يحاول بري منح القوى السياسية هامشاً واسعاً من الوقت لكي تراكم الملاحظات والتعديلات المطلوبة من جانب المعنيين والمهتمين، في انتظار نضوج الطبخة وإضافة المكوّنات والبهارات المتفاهم عليها لإدخالها في متن القانون.
صحيح أنّ الزمن السياسي لا يحمل من الترف الكافي لكي تنصت الآذان لأيّ أفكار جديدة، لكنّ وضع قطار التعديلات على السكة، هو بمثابة انطلاقة لا أكثر.
وعلى هذا الأساس أوفد رئيس المجلس بعض أعضاء كتلته في جولة على الكتل النيابية لعرض أفكار أوّلية لتعديل ممكن للقانون الحالي. ولذا يمكن القول إنّ أولى نتائج هذه الخطوة هي إشارة بري الجليّة إلى «قدر التغيير» المحتوم الذي يواجه القانون المعمول به.
ولهذا تُبلغ اللجنة الى مستضيفيها أنّ السبب الرئيسي لطرح الموضوع مبكراً هو تلافي ضغط الوقت الذي يدهم كل استحقاق، وهو «الحُجّة» التي كانت تختبئُ مكوّنات السلطة خلف اصبعها لتأجيل الانتخابات مرتين متتالتين، كما أنّ اعتماد الوسائل الإلكترونية في عملية الاقتراع تلزمها تحضيراتٌ مسبقة.
عملياً، تفيد المعلومات أنّ بري لم يُخرِج «أرنبَ» التعديل في هذه اللحظة بالذات، وإنما تعود الورشة إلى أيلول العام الماضي، أي بعد نحو أربعة أشهر على إقفال صناديق الاقتراع، حين استدعى بعض المعنيين وأصحاب الاختصاص لسؤالهم عن الدروس والعِبَر الممكن استنتاجُها من تجربة الدوائر المتوسطة مع الصوت التفضيلي، وبرمجة بوصلة التعديلات الممكنة.
بطبيعة الحال، أُعيد بعث كثير من تجارب الدول الأوروبية في هذا الشأن، في سياق البحث عمّا يلائم النموذجَ اللبناني بتعقيداته الطائفية والمذهبية، على طريق إيجاد اقتراح يحترم الخصوصية اللبنانية، ولكن يساعد على التخفيف من حدة الخطاب المذهبي.
وهنا لا يجوز إغفال واقع ثابت وهو أنّ بري يميل إلى الاقتراح الذي يجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، ولكن يجوز تحت هذه العنوان البحث عن أفكار مبتكرة تلبّي العنوان الأساسي.
وتضيف المعلومات أنّ هواجس بري في هذا السياق تتحدّد على الشكل الآتي:
– أن تكون الدوائر الانتخابية موسّعة، وإذا سقط اقتراحُ الدائرة الواحدة فلا مانع من اعتماد الدوائر الكبرى ومنها المحافظات على سبيل المثال. وطبعاً مع الإبقاء على النظام النسبي.
– إلغاءُ الصوت التفضيلي بعدما تحوّل سيفاً مصلتاً على رقاب «الأخوة»، ويمكن الاستعاضة عنه باعتماد الترتيب المسبق للمرشحين والذي تحدده كل لائحة، أي أن تضع كل لائحة ترتيباً محدَّداً فيبدأ احتساب الناجحين من أعلى اللائحة نزولاً.
ولاحترام المناصفة الطائفية، تلتزم اللائحة بترتيب يقوم على أساس المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، وعلى سبيل المثال، يكون ترتيب اللائحة على الشكل الآتي: مسلم ثم مسيحي ثم مسلم… فضلاً عن احترام التنوّع الجندري.