لا تزال الأنظار تتجه الى الهبّة الاحتجاجية التي يشهدها الشارع، مقابل أسلوب تضييع الوقت الذي تعتمده الحكومة بانتظار التوصل الى تصور نهائي حيال البنود الساخنة لخفض العجز في الموازنة. مجلس الوزراء، شهد أمس جلسة تحولت الى منصة لهجوم الوزراء بعضهم على بعض، خلال مناقشة تخفيض مساهمة الدولة في الجمعيات، قبلَ أن يفجرها وزير الخارجية جبران باسيل بإعلانه «عدم موافقته على الموازنة المطروحة». الجزء الأكبر من جلسة مجلس الوزراء الثانية عشرة لمتابعة دراسة مشروع قانون الموازنة العامة تحول إلى «ساحة معركة» بين عدد من الوزراء.
مداولات الجلسة أظهرت مرة جديدة أن كل النقاشات التي تحصل ليست سوى «مضيعة» للوقت، بانتظار التوصل، خارج مجلس الوزراء، إلى اتفاق على البنود التي سيتم «القص» منها، لخفض العجز بنحو 500 مليون دولار إضافية. ويبدو أن الاتفاق لم يُنجز بعد، ولأجل ذلك تستمر المماطلة، رغم أن وزراء كانوا قد جزموا بالانتهاء من درس مشروع الموازنة يوم أمس. كلك لم تتضح وجهة خفض العجز بعد: أهي من خلال زيادة الإيرادات، أم من خلال خفض إضافي للنفقات، أو اقتطاع من رواتب الموظفين في القطاع العام ومساهمة المصارف في خفض العجز.
وبدا واضحاً أيضاً أن الحكومة التي تعمّدت تأجيل البنود الشائكة في مشروع الموازنة، لم تنجح في تمرير ما اعتبرته «بنوداً عادية» من دون حصول اشتباكات على طاولة مجلس الوزراء يومَ أمس، على خلفية تضارب الصلاحيات من جهة، ومن جهة أخرى بسبب اعتراض البعض على النسبة المطروحة للتخفيض في عدد من الجمعيات باعتبارها «غير كافية». وقد افتتح السجال بين وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية مي شدياق ووزير البيئة فادي جريصاتي، حينَ بدأت الوزيرة بالحديث عن النفقات في وزارتها، لا سيما في ما يتعلق بمراكز فرز النفايات، وهو مشروع تديره الوزارة بمبلغ 40 مليار ليرة، الأمر الذي استدعى تدخلاً من وزير البيئة متسائلاً لماذا هذا الملف موجود في عهدة وزارتها. كما حصل خلاف بين وزير الدفاع الياس بو صعب ووزير المالية علي حسن خليل، عندما وصل النقاش الى بند قيام التفتيش المركزي بدوره في المدارس المجانية التي تحصل على مساعدات من الدولة. فحين بدأ البحث في إمكانية تخفيض مساعدات الدولة انتقل النقاش الى الإشراف على المدارس الذي يجب أن يكون من مهام التفتيش لا وزارة التربية كما قال بو صعب، «قبلَ أن يبدأ الصراخ بينهما»، ويقول وزير الدفاع متوجهاً الى وزير المال «ما تعلي صوتك، أنا كمان بعرف علّي صوتي»، قبلَ أن يستقر القرار على إبقائها كما كانت، أي عند التفتيش المركزي.
كذلك اعترض باسيل على إنفاق وزارة الشؤون الاجتماعية على بعض الجمعيات، قائلاً إن «نسبة التخفيض فيها غير كافية، وإذا لم تُخفّض أكثر فأنا لن أخفض النفقات في وزارة الخارجية». حينها تعهّد وزير الشؤون ريشارد قيومجيان بتقديم تقرير في جلسة اليوم يتضمن أرقاماً حول نوعين من الجمعيات التي تقوم بدور كبير في تقديم الخدمات بالنيابة عن الدولة، وهذه الجمعيات لا يُمكن أن تخفّض النفقات فيها»، وقد أيّده في ذلك الوزير وائل أبو فاعور، واعتبر أن بعض هذه الجمعيات «يجب أن نزيد نفقاتها».
كذلك حصل سجال آخر حول المجلس الأعلى اللبناني – السوري، بعد أن طالب وزراء «القوات» و «الاشتراكي» بتخفيض النفقات التشغيلية فيه، فأجاب وزراء «أمل» و«حزب الله» بعدم تحويل النقاش الى سياسي، لكن الوزراء أكدوا أن النقاش حول هذا الأمر هو «مالي بحت»، لكنهم عادوا وتراجعوا بعدَ أن أشار زملاؤهم إلى أن «الاعتمادات المرصودة هي رواتب للموظفين، وهم موظفو دولة». وحين سئل وزير العمل كميل بو سليمان عن مؤسسة التدريب المهني التابعة لوزارته، قال إنه «سأل السيد حسن نصر الله عنها وأكد أنها فعّالة»، الأمر الذي أثار استغراب البعض وسخريته، قبلَ أن يتبيّن أن «رئيس المؤسسة يُدعى حسن نصر الله».
في سياق آخر، وبعد الموقف اللبناني الموحد حول ترسيم الحدود البحرية الذي تبلغته سفيرة الولايات المتحدة الأميركية اليزابيت ريتشارد من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، علمت «الأخبار» أن نائب مُساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى دايفيد ساترفيلد سيزور لبنان قريباً، لاستكمال البحث في مسألة الترسيم والآلية المفترض اتباعها بوساطة أميركية.