Site icon IMLebanon

الأردن والكنيسة المارونية… تأسيس الرعية في عهد صفير

كتب الأب رفعت بدر في صحيفة “الجمهورية”:

يعرف القاصي والداني مقدار الاحترام الذي يكنّه الأردن، ملكًا وحكومةً وشعبًا، للكنيسة المارونية بشكل خاص، وللشعب اللبناني بشكل عام. وفي عام ١٩٦٤، شارك البطريرك بولس بطرس المعوشي باستقبال البابا بولس السادس في زيارته إلى المملكة لمدة ٣ أيام. وبعد انتهاء الزيارة، قدّم الملك الراحل الحسين بن طلال السيارة التي أقلت البابا في رحلته، إلى البطريرك الماروني، قائلاً: «إنّ هذه السيارة لا تليق إلا بالبطريرك الماروني».

في 5 أيار 1985، وبعد عامين من المؤتمر الإفخارستي الدولي الذي انعقد في مدينة القدس، افتُتحت النيابة البطريركية المارونية للاهتمام بالموارنة المتواجدين في الأرض المقدّسة، والذين كانوا قبل ذلك يتلقون العناية الرعوية بإسنادٍ من أبرشية صور المارونية.

وفي 5 تشرين الأول من العام 1996، أقيمت إكسرخسية مارونية في الأردن، وهي تتبع مباشرة إلى البطريركية الأنطاكية المارونية، عبر الإدارة الرعوية من قبل رئيس أبرشية حيفا والأرض المقدسة المارونية، والتي يترأسها حاليًا رئيس الأساقفة موسى الحاج، خلفًا للمطران بولس صيّاح.

ومنذ ذلك الوقت تأسست رعية القديس شربل، وكان قام على خدمتها آنذاك الخورأسقف جورج شيحان، وذلك بسعيٍ من البطريرك صفير، لتمتين الجسور والروابط بين البطريركية والجاليات اللبنانية في خارج لبنان، لا سيما في البلدان العربية.

وقد نشأت الرعية منذ حزيران 1997 في منطقة الشميساني بعمّان، وبالتحديد في كنيسة سيدة الوردية التابعة لراهبات الوردية لمدة ست سنوات.

إنطلاقة الرعية

قام البطريرك صفير بزيارة الرعية المارونية في 9 تشرين الأول 1998، حيث بارك انطلاقتها كما وانطلاق المركز الماروني فيها. وكانت أمانة عمّان قد وضعت، بناءً على الإرادة الملكية السامية الصادرة عن المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال، قطعة أرض في منتزه عمان الوطني بتصرف الكنيسة المارونية.

ومنذ ذلك الوقت باشرت الرعية بإجراء الترتيبات الهندسية، وبارك البابا يوحنا بولس الثاني في زيارة الحج المباركة له إلى الأردن سنة 2000 حجر الأساس من ضمن مشاريع كنسية عدّة.

وقد اقتصرت المرحلة الأولى من البناء على بناء قاعتين، واحدة للكنيسة والثانية لحاجات الرعية الروحية والاحتفالية والنشاطات المختلفة، وأيضًا تمّ بناءُ ثماني غرف تتسع لحوالى 30 شخصًا ومكتب لإدارة شؤون الرعية.

وتحت رعاية الملك عبدالله الثاني بن الحسين، تمّ افتتاح المركز الماروني عام 2003، وسُميت القاعة باسم «الملك الراحل الحسين بن طلال».

وحين زار البطريرك صفير الأردن عام 2005، بارك غبطته حجر الأساس للكنيسة الرعوية على اسم «القديس شربل»، كما احتفل بالذبيحة الإلهية بمشاركة عدد من بطاركة الشرق الكاثوليك الملتئمين في اجتماعهم السنوي العادي بعمّان. تمّ الانتهاء من البناء على مراحل مختلفة حسب الأولويات وحاجات الرعية والكنيسة. أما بناء الكنيسة فتمت المباشرة به سنة 2008، وهو المرحلة الأخيرة من مراحل بناء مشروع المركز الماروني.

صفير في استقبال بندكتس

شارك البطريرك صفير باستقبال البابا بندكتس السادس عشر في الأردن في أيار 2009. وخلال زيارته، استقبل الملك عبدالله الثاني البطريرك صفير في 11 أيار 2009، حيث أكد الملك عمق العلاقات الأردنية اللبنانية وضرورة تطويرها في مختلف المجالات، مشيراً إلى اهمية دعم الجهود الهادفة إلى تعزيز الحوار وتحقيق التقارب بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة لما فيه مصلحة المجتمع الإنساني.

أما البطريرك صفير، الآتي إلى المملكة بالتزامن مع زيارة البابا بندكتس السادس عشر، فأعرب عن تقديره لمواقف الملك الداعمة لتحقيق وإدامة الحوار وتعظيم القيم والقواسم المشتركة بين المسلمين والمسيحيين، مؤكدًا أنّ الأردن بقيادته الهاشمية يمثل أنموذجًا في التسامح والتعايش والتآخي بين أبناء الديانتين الإسلامية والمسيحية.

على يده أوّل كنيسة مارونية

وبعد مرور عام على زيارة البابا بندكتس، و5 سنوات على وضع حجر الأساس، دشّن البطريرك صفير كنيسة مار شربل، لتكون أول كنيسة مارونية تشاد في الأردن.

وخلال ترؤسه القداس الاحتفالي بهذه المناسبة، حيّا غبطته الملك عبدالله الثاني، سائلاً الله أن «يوطّد أسسَ عرشه، ويقود خطاه إلى ما فيه سعادة الشعب الأردني»، وطلب إليه تعالى أن «يشمله برعايته ورضاه».

أما الأب جورج شيحان، كاهن الرعية المارونية حينها، فجاء في كلمته خلال قداس التدشين: «ها هو الحلم يتحقق!»، وقال: «يومنا هذا انتظرناه منذ ثلاثة عشر عامًا، وها قد أصبحنا في الحقيقة! لنا مركزنا! لنا حضورنا! لنا كنيستنا! فها نحن جزء لا يتجزّأ من كنيسة الأردن، وها نحن جماعة تندرج في نسيج هذا الوطن العزيز الأردن».

وتخلل الزيارة كذلك، وضع البطريرك صفير حجر الأساس لكنيسة مار مارون على نهر الأردن.

المسيرة بعد صفير

وخلال زيارته للمملكة عام 2012، والتي تعدّ الأولى منذ تولّيه خلفًا للكاردينال صفير، وبعد لقائه الملك عبدالله الثاني، أشاد البطريرك الراعي ما وصفه بـ«تكريم الأردن للكنيسة المارونية» من خلال التبرع بأرض لبناء كنيسة مار شربل، وكذلك تبرع جلالته بقطعة أرض في موقع معمودية السيد المسيح، ووضع خلال زيارته حجر الأساس لكنيسة مار مارون.

ولفت الراعي إلى العلاقة التاريخية التي تربط الأردن والكنيسة المارونية التي تعود لعهد المغفور له الملك الحسين بن طلال. وقال: «وجود الكنائس في المغطس يجسّد الحوار المسيحي الإسلامي على أرض الواقع، وليس فقط على الورق وفي المؤتمرات». وتابع: «في الأردن الحوار مجسّد على الأرض، ومن الأرض يمكن أن ننطلق للحوار الحقيقي».

خلص الراعي إلى القول: «سأعود وعقلي وقلبي ممتلئ بالأفكار والأمثلة التي نعيشها في الأردن، والتي تعدّ مثالاً للعالم العربي لكي تتمثل به شعوبنا في المنطقة».