في الذكرى الـ30 لاستشهاده، زار مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، ضريح المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد في منطقة الاوزاعي بحضور حشد من الشخصيات.
وقال دريان: “تمضي العقود على استشهاد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد، وتبقى ذكراه متجددة وحاضرة، ذلك لأن استشهاده يرتبط بمحاولات إنهاء النزاع الداخلي، وإعادة الاستقرار إلى لبنان. وكان المفتي حسن خالد يعرف المخاطر التي تتهدده نتيجة مساعيه، للتواصل بالداخل اللبناني وللتواصل مع العرب، لكنه ما توقف عن المحاولة بل المحاولات ولا تزعزع إيمانه بالمسؤولية والقدرة والاتكال على الله عز وجل”.
أضاف: “تحضر الذكرى الثلاثين لاستشهاد المفتي الشيخ حسن خالد هذا العام، فتوقظ في نفوسنا المثل والأخلاق والقيم التي كانت تحركه، ولعل المفتاح الأساس لفهم شخصيته، هو تعبير أو مصطلح: أخلاق المسؤولية. تحضر اليوم الذكرى الثلاثين لاستشهاده. وهي ذكرى عزيزة على قلوب المسلمين واللبنانيين والعرب، للموقع السامي الذي احتله المفتي الشهيد، في عمق المشهد الديني والسياسي، طوال سنوات النزاع الداخلي. كان المفتي الشهيد حسن خالد أكبر خصوم الانقسام الداخلي. وعمل كل ما بوسعه لإنهاء ذلك النزاع. فمن وجهة نظره، أن كل الأسباب التي كان يذكرها المتقاتلون، لا تستدعي حمل السلاح، ولا الاستعانة بهذا الطرف أو ذاك، على الاستمرار في التقاتل. ورأى دائما أن التدخلات الخارجية وإغراء الأطراف على تسعير النزاع، كل ذلك يهدد الوجود الوطني والعيش الإسلامي – المسيحي في لبنان والمشرق العربي. فالحل يكون بعودة أطراف النزاع إلى رشدهم، ومعالجة كل المشكلات على طاولة التفاوض والتوافق”.
وتابع: “في العام 1983 أصدر المفتي خالد مع الشيخ شمس الدين، وثيقة الثوابت العشر، التي تنص على أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، ولأن التواصل بين السياسيين كان معطلا بسبب سيطرة أمراء الحرب، فالمفتي خالد عمد إلى جمع السياسيين بدار الفتوى بشكل منظم، للتشاور في طريقة لوقف النزاع. وكان شعاره الدائم، العودة إلى الدولة القوية والعادلة، وحكم القانون، والانطلاق من قيام الدولة الحريصة على الأرض والشعب، لمقاومة العدو الإسرائيلي الذي وصل إلى بيروت. وعندما تدخل العرب لإنهاء الحرب، وشكلوا لجنة لذلك، تعاون معها المفتي الشهيد، ومضى والبطريرك صفير إلى الكويت للاجتماع بها، وقدم لها اقتراحاته، وعلى طريق المساعي لإنهاء النزاع، استشهد المفتي حسن خالد في 16 أيار عام 1989 في تفجير لموكبه، بجوار دار الفتوى، بمحلة عائشة بكار. لذلك، فاته رحمه الله، مؤتمر الطائف الذي أنهى النزاع المسلح وأصدر وثيقة الوفاق الوطني، آخر العام 1989. وفي خضم مساعيه للتصدي للنزاع الوطني ومخاطره، ما غفل الشهيد عن مواجهة الأزمة الاقتصادية والمعيشية، التي تسببت الحروب بها، فقام على إنشاء صندوق الزكاة لمكافحة الفقر والحاجة، وتوجيه المسلمين إلى ضرورات التضامن للطعام من الجوع، والأمن من الخوف”.
وختم دريان: “المفتي الشهيد حسن خالد، هو الذي أعاد صياغة دور دار الفتوى، بحيث تظل دارا لسائر اللبنانيين، ومرجعية في أزمنة الرخاء والشدة، وعلى يديه، وبهذا الهم والأفق، تربى الجيلان اللذان يسودان في هذا المجال الديني إلى هذه الأيام. لذلك، على خطاه رحمه الله، نعلن استمرارنا على العهد والوعد، والأمانة للوطن والمواطنين. وعلى ثغر الأمانة هذا، استشهد علماء منا، منهم الشيخ أحمد عساف، والدكتور صبحي الصالح. ونحن عندما نتذكر شهودهم وشهادتهم رحمة الله عليهم، فإننا نعلن الثبات على المبادىء التي أرسوها، والآفاق التي افتتحوها، قال تعالى: “من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا”.
وكانت كلمة لنجل المفتي الشهيد قال فيها: “ثلاثون عاما مضت على استشهاد المفتي الشيخ حسن خالد، الذي تمثل شهادته أسمى معاني العطاء والتضحية، وتمثل مسيرته نموذجا لكل من يريد أن يكون صادقا وقائدا حكيما مع شعبه وأمته ووطنه، لا يهاب في الحق لومة لائم، ولا يهاب المطالبة بالحق والدفاع عنه مهما كان المعتدي أو الظالم. خسر لبنان باستشهاده رمزا من رموز الوحدة الوطنية والإسلامية والحوار والتسامح ورمزا من رموز العدالة والسيادة والاعتدال والعيش المشترك. وطني إنساني إلى أبعد الحدود، هو القائد الوفي للناس الذي احتضن الناس حين احتاجته، هو القائد الذي مارس الوطنية بأبهى صورها والإنسانية بأعلى مراتبها، هو القائد الذي يحب طائفته ويكره الطائفية، هو القائد الذي لا ينظر إلى الآخرين إلا من خلال المحبة والشراكة الوطنية والإنسانية، هو القائد الذي لم يركع إلا لله سبحانه وتعالى، ولم تنحن قامته إلا تواضعا وإنسانية، بقي صوته عاليا من على كل المنابر خطيبا وصريحا، في زمن سكت فيه الجميع خوفا أو طمعا”.