صحيح أن بكركي كانت أمس الحدث في وداع أحد أهم أبطالها، بطريرك الاستقلال الثاني، الكاردينال نصرالله صفير، غير أن جلالة الحدث ومهابة الوقوف في حضرة غياب كبير من هذا الوطن ، لم تحجب الضوء عن الحضور السياسي الجامع، الذي التف حول صفير في مماته. وهنا يبقى حضور رئيس تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية خطوة يجدر التوقف عندها والتمعن في معانيها وأبعادها السياسية. ذلك أن فرنجية استطاع القفز فوق خلافات كانت طبعت علاقته بالبطريرك الراحل، ليشارك رحلته الأخيرة، جنبا إلى جنب مع خصمه التاريخي الأول، رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي كانت لبكركي وسيدها البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، اليد الطولى في طي صفحة خصومته الدموية مع زعيم بنشعي. على أن أهمية مشهدية الثنائي جعجع- فرنجية جنبا إلى جنب تكمن في توقيتها. ذلك أن هذه الجولة الجديدة من التقارب تأتي فيما العلاقات على خط بنشعي- ميرنا الشالوحي مقطوعة، وتلك التي تجمع معراب والتيار الوطني الحر مطبوعة بالتوترات اليومية التي لا تتيح الكلام عن هدنة بين الطرفين قريبا. إلى هذه الصورة، يضيف المراقبون الزيارة التي قام بها فرنجية إلى بيت الكتائب المركزي في الصيفي في 24 نيسان الفائت، حيث التقى رئيس الحزب النائب سامي الجميل ووفدا كتائبيا رفيعا، في خطوة لا يمكن فصلها عن مسار طي صفحات الماضي الدموية بين مثلث بنشعي- الصيفي- معراب.
ولكن، إذا كانت بنشعي ترى في الخطوة تكريسا للمصالحة التي أتت بمبادرة من الراعي، فإنها تلتقي مع القوات على التمسك بهذه المصالحة، مع الابقاء على الاعتراف بالاختلاف الاستراتيجي، واستبعاد الكلام عن حلف سياسي قد يجمع الحزبين في مواجهة “الخصم البرتقالي المشترك”، على الأقل في الوقت الراهن.
وفي السياق، أوضح وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان لـ “المركزية” أن “مشهدية جلوس رئيس حزب القوات إلى جانب النائب السابق سليمان فرنجية تكريس للمصالحة التي أبرمها الزعيمان في بكركي في تشرين الثاني 2018”.
وشدد قيومجيان على “أننا متمسكون بالمصالحة مع فرنجية، كما بتلك التي أنجزناها مع التيار الوطني الحر، الذي أخل بالاتفاق السياسي الذي عقدناه في 2016، لكننا مصرون على المصالحة الكبرى ومستمرون بها على الرغم من الاختلافات السياسية، ولا تراجع في هذا الشأن”.
وأوضح أن “لا خلاف جوهريا بيننا وبين المردة على الملفات الداخلية، وإن كنا مختفلين في القضايا الاستراتيجية، كالسلاح والعلاقة مع سوريا. لكننا نلتقي على ما يصب في مصلحة لبنان العليا”.
أما عن العلاقة مع التيار، فأشار قيومجيان إلى أن الخلاقات تطال بعض الملفات الداخلية، بدليل أن بعض المواضيع تُستَغَل بطريقة شعبوية، لافتا إلى أن “في المقابل، يتعاطى تيار المردة مع القضايا بشكل عقلاني ومنطقي يضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار”.
غير أن قيومجيان نبه إلى أن “من المبكر الكلام عن حلف سياسي يجمعنا بالمردة على المدى الطويل، علما أن التواصل بين القواعد الشعبية مستمر على الأرض، وهذا أمر ايجابي، وخصوصا في منطقة الشمال، لأن يمكننا السير سويا بالملفات التي نلتقي عليها بعيدا من الشعبوية التي ينتهجها البعض”.
أما على الضفة الزغرتاوية، فالتقاء مع القوات على استبعاد قيام حلف سياسي بعيد المدى مع خصم الأمس، علما أن التواصل قائم ومستمر. وفي هذا الاطار، أوضحت مصادر مقربة من “المردة” عبر “المركزية” أن “هناك هدنة مع القوات اللبنانية، بعيدا من الصراع الماروني- الماروني المألوف، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن “هذا الصراع انتهى، علما أن الطرفين باقيان على تموضعهما السياسي المعروف”.
وذكّرت أن “علاقاتنا التاريخية مع القوات كانت سيئة جدا. لكن المعادلات الاقليمية تفرض توازنات معينة.
وأكدت الأوساط نفسها أن “بنسبة تتجاوز الـ 90%، العلاقة مع التيار مقطوعة لأن هناك من يريد الاستئثار بالتمثيل المسيحي لأن شبح رئاسة الجمهورية مسيطر على البعض”، مشددة في المقابل على أن التواصل مع القوات والكتائب مستمر، علما أنه لن يوصل إلى حلف سياسي بعيد المدى.