كتب سامي خليفة في صحيفة المدن :
كثيراً ما تنشر إسرائيل معلومات عن عمليات التهريب، التي يقوم بها حزب الله في منطقة الشرق الأوسط، من دون التطرق إلى الأسماء. وبعد تردد اسم محمد جعفر قصير، المعروف بالحاج فادي، خلال الأشهر القليلة الماضية، نشر الكاتب الإسرائيلي، يوآف ليمور، تحقيقاً مطولاً في صحيفة “إسرائيل هيوم” عن مسؤول تهريب الأسلحة والمال للحزب اللبناني.
رجل الظل
ولد الحاج فادي، 50 عاماً، في قرية دير قانون النهر جنوب لبنان. يمضي قصير معظم وقته على الطريق بين بيروت ودمشق. وهو شقيق حسن قصير، صهر حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله. لكن قليلاً من الناس يعرفون من هو، أو حتى ماذا يفعل.
كان الحاج فادي، حسب ليمور، يتعامل مع تهريب حزب الله على مدار العشرين عاماً الماضية، منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان. وهو يعمل بحرية في سوريا، ويتمتع بدعم من النظام ومستوى عالٍ من القدرة على الوصول إلى المسؤولين في هذا المجال. وهنا تجدر الإشارة إن قربه من الأسد، الذي كشفته صورة طهران في شباط الماضي، يوضح أن أي شخص يعتقد أن دمشق شعرت بالاستياء من نشاط حزب الله داخل حدودها كان مخطئاً. فحزب الله وقادته مرحب بهم في سوريا، ولهم الحرية في فعل ما يحلو لهم.
عمليات التهريب
يتمتع الحاج فادي بحرية بالتواصل المباشر مع كبار ضباط الجيش السوري. إذ يشير ليمور بأن معظم قوافل التهريب تمر عبر الحدود السورية اللبنانية. وهي تشمل أسلحة من طهران، وكذلك بعض الأسلحة المصنعة في سوريا. ويقوم قصير بالإشراف على نقل الأسلحة، عبر المعابر غير الشرعية، بالقرب من الزبداني في لبنان والقصير في سوريا. وأحياناً، تُستخدم البنية التحتية المدنية اللبنانية مثل معبر المصنع الحدودي، الذي حاول من خلاله عدة مرات تهريب أجزاء من صواريخ عالية الدقة إلى حزب الله.
قامت إسرائيل خلال السنوات الأخيرة بشن غارات مكثفة على الأهداف الإيرانية في سوريا. وكان الممر الجوي إلى مطار دمشق الدولي هدفاً رئيسياً للغارات. إذ اعتبرته الدولة العبرية قاعدة رئيسية للتهريب الإيراني. إلا أن الحاج فادي، حسب ليمور، كان هو القناة الرئيسية لكل عمليات التهريب، من الأسلحة إلى المياه المعدنية، التي جرت عبر المطار لحزب الله في لبنان أو القوات الإيرانية في سوريا.
ارتياب الروس
يعود ليمور بالذاكرة إلى أيلول 2018، عندما أسقطت إسرائيل طائرة مقاتلة روسية في سوريا، مما تسبب في موجة من التوتر بين تل أبيب وموسكو. وهنا يروي ليمور بأن كل شيء بدأ عندما استهدف سلاح الجو الإسرائيلي آلة لتصنيع صواريخ دقيقة لمنع إرسالها إلى لبنان، وهو مشروع كان الحاج فادي سيشرف على تهريبه.
بعد هذه الحادثة، يشير الكاتب الإسرائيلي بأن موسكو عبرت عن ارتيابها، عبر توضيحها لحلفائها في سوريا أن الهدف هو محاربة الإرهاب، وأي عمل آخر من قبل حلفائها سيعطل عملية استعادة الهدوء إلى سوريا. لم يكن النقد الروسي حينها موجهاً إلى شخص محدد، لكن ليمور يجزم بأن كل من يعمل في دوائر القرار يعلم أن الروس كانوا يشيرون إلى الحاج فادي. فموسكو تعرف اسمه جيداً، وقد دفع نشاطه المالي، وخصوصاً في صناديق الإرهاب، وزارة التجارة الأميركية إلى إدراجه في قائمتها الخاصة بالمواطنين الذين يُمنع على الأميركيين والشركات الأميركية من إجراء المعاملات معهم. لقد حدث هذا نتيجة لتزايد مشاركة الحاج فادي، ليس في تهريب الأسلحة وغيرها من المعدات للحزب وحسب، ولكن أيضاً في كل الحركة النقدية في جميع أنحاء المنطقة.
وزير مالية الحزب
يضع الحاج فادي، كما يشير ليمور، أصابعه في كل شئ تقريباً، من صفقات بيع السلع والأسلحة إلى بيع النفط، ونظراً لأن إيران ممنوعة من استخدام البنوك لإرسال الأموال إلى حزب الله (وهو مبلغ يُقدر بحوالى 800 مليون دولار سنوياً)، يتم تحويل الأموال من طهران إلى بيروت نقداً، ومن بيروت يتم صرفها لأغراض مختلفة. في الماضي، حاولت إيران استخدام عملات افتراضية مثل البيتكوين ولكنها لم تنجح. أما اليوم، فيتم دفع كل شيء نقداً.
وعلى عكس المعركة شبه المفتوحة للحد من تهريب الأسلحة، لم تكن هناك أي هجمات معروفة تستهدف تحويل الأموال النقدية. ولكن لا ينبغي، حسب الكاتب، استبعاد هذا الاحتمال، فالهجوم على قافلة تحمل عشرات الملايين من الدولارات نقداً، من شأنه أن يتسبب في أضرار جسيمة لكل من الدافع والمستفيد. ويبدو أن الحاج فادي لا يقيد مبادراته المالية على المحور الإيراني السوري اللبناني. إذ أن هناك دلائل تشير إلى أنه يلعب دوراً في تمويل إيران للمتمردين الحوثيين في اليمن والمساعدات المالية التي تقدمها طهران لحلفائها في غزة.
مركزٌ جديد للقوة
حتى وقت قريب، كان الحاج فادي شخصية محاطة بالغموض، وكان معروفاً لعددٍ قليل جداً من الناس. إلا أن ظهوره العلني في طهران إلى جانب روحاني والأسد فاجأ كل من يتعقب نشاطه. كانت الصورة الفوتوغرافية تشير إلى ثلاثة أشياء: أنه يعمل بشكل أكثر انفتاحاً من الماضي؛ وأنه يتمتع بثقة كاملة ليس من الحزب وفيلق القدس وحسب، ولكن أيضاً من قادة المحور الراديكالي نفسه؛ وأنه الآن مركز هائل للقوة، بالنظر إلى أنه مسؤول عن اللوجستيات، بدلاً من أن يكون مقاتلاً أو ضابطاً.
بعد وقت قصير من التقاط الصورة في طهران، شوهد الحاج فادي مرة أخرى بالقرب من مزارع شبعا، وقد ظهر قصير إلى جانب نشطاء آخرين في الحزب والقائد البارز في حزب الله محمود قاسم البصل، الذي يعمل تحت قيادته ويساعده في تحويل الأموال.
ليس من الواضح بالنسبة للاستخبارات الإسرائيلية، سبب قيام الحاج فادي بزيارة حدود مزارع شبعا، لكن لا شك أنه أصبح لاعباً رئيسياً في المنطقة. ومن المرجح أن إسرائيل تتابعه عن كثب، بالنظر إلى الضربات المنسوبة لها والتي استهدفت عملياته. وخلال التصعيد الأخير مع غزة، نفذت إسرائيل أول عملية اغتيال منذ سنوات مستهدفةً حامد الخضري، المسؤول عن نقل الأموال بشكل واسع من إيران إلى المنظمات العاملة في قطاع غزة. لذلك يلمح ليمور بأن إسرائيل قد تلجأ إلى خطوة مماثلة، خصوصاً وأن الحاج فادي يُعتبر أهم بكثير من الخضري، بعد ترسيخ علاقاته الوثيقة بالقصور الرئاسية في دمشق وطهران.