في مقابل ارتفاع اسهم المواجهة في بورصة التصعيد القائم في المنطقة بين الولايات المتحدة الاميركية وايران والمصحوب بتحرّكات عسكرية في اتّجاه المياه الاقليمية واستهدافات من قبل حلفاء ايران لسفن خليجية، تلقى لبنان رسائل تطمين اميركية تؤكد ان لا تصعيد في الجنوب نتيجة الضغط الذي مارسته واشنطن على اسرائيل بمنع اي تدهور وصون الساحة اللبنانية في هذه المرحلة لتفويت الفرصة على ايران وحليفها “حزب الله” من ان يستغل اي تصعيد في المنطقة ليُنفّذ مخططه التفجيري، وهو ما يُشكّل “ذريعة” له كي يتمسّك اكثر بسلاحه والرد على من يطالبه في الداخل والخارج بالتخلي عنه، والعودة الى نغمة معادلة “الشعب والجيش والمقاومة”، لمواجهة العدوان، وهذا من شأنه ان ينعكس سلباً على الداخل اللبناني ويترك مضاعفات تعطّل مسيرة الاستقرار وتُسهم في تفجير الوضع في المنطقة.
وانطوت الرسائل الاميركية على وجود توجه قوي لدى واشنطن للسير في مفاوضات جدّية لترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، بعد الموقف اللبناني الرسمي الموحّد والايجابي والمحادثات المُثمرة التي اجراها مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الادنى ديفيد ساترفيلد مع المسؤولين اللبنانيين وعلى اساسها انتقل الى اسرائيل لبحث الموضوع مع المسؤولين بعدما نجحت واشنطن في حمل تل ابيب على وقف الاعمال في الحقول النفطية المتنازع عليها مع لبنان، قبل ان يعود اليوم الى بيروت.
ونقل زوّار واشنطن الموقف الاميركي المتشدد في دعم لبنان استناداً الى التزام حكومته سياسة النأي بالنفس. ولم يخف المسؤولون الاميركيون استعدادهم لمساعدة لبنان في شتى المجالات، لا سيما في موضوع استعجال عودة النازحين السوريين لحماية الاستقلال وصون لبنان امنياً من تداعيات الوجود السوري.
وفي رأي اوساط دبلوماسية غربية تحدّثت لـ”المركزية” فان واشنطن تستعجل نزع الصواعق وسحب فتيل الانفجار بأخذ ورقة السلاح من يد “حزب الله” من خلال انهاء الخلاف الحدودي البري والبحري بين بيروت وتل ابيب، وبالتالي وضع نهاية لورقة المقاومة والسلاح التي يمسك بها الحزب للابقاء على ترسانته العسكرية.
ومع هذه الخطوة، تؤكد الاوساط “ان واشنطن عازمة وبشكل قوي على مساعدة لبنان وتعزيز دور الدولة عبر تفعيل مؤسساتها، لا سيما الجيش والقوى الامنية، وهي تعتبر بالاستناد الى تقارير استخباراتية ان الجيش اللبناني بات قادراً على القيام بدوره في ضبط الحدود، وما على الحكومة الا المبادرة الى ترسيم الحدود الشرقية مع سوريا بالتزامن مع انطلاق ورشة ترسيم الحدود البرية والبحرية الغربية مع اسرائيل”.
وتوضح “ان على “حزب الله” ان يتحوّل الى حزب سياسي غير مسلّح اسوةً بالاحزاب الاخرى تنفيذاً للقرارات الدولية، لاسيما 1559 و1701 اللذان ينصّان على حصرية السلاح بيد الشرعية عبر مؤسساتها العسكرية والامنية”، ولفتت الى “ان واشنطن تولي اهتمامها ورعايتها ودعمها لمؤسستين شرعيتين في لبنان هما المؤسسة العسكرية والمؤسسة المالية (مصرف لبنان) وتعتبرهما العمود الفقري للاستقرار، والمسؤولون الاميركيون اكدوا للبنانيين هذا التوجه، وعبّروا عن “انزعاجهم” من محاولات المسّ بقائد الجيش العماد جوزيف عون وحاكم مصرف لبنان رياض سلامه والتضييق عليهما في ادارة المؤسستين.
لكن في مقابل “الحرص” الاميركي على استقرار لبنان وحماية مؤسسته العسكرية وحاكمية المصرف المركزي، تُبدي واشنطن تشدداً حيال تجاوب “حزب الله” مع رغبة ايران في فتح جبهة عسكرية والتحرّك على الارض لتنفيذ عمليات عسكرية تطال المصالح الاميركية.
واكدت الاوساط الدبلوماسية “ان واشنطن حذرت لبنان من ان اي انخراط للحزب في سيناريوهات كهذه سيُكلّف لبنان الكثير، لان الردّ سيكون قاسياً عبر وسائلنا، وما على لبنان الرسمي الا اتّخاذ موقف واضح اقله التنصل والشجب والاستنكار، ويفترض عندها عزل الحزب سياسيا واخراجه من الحكومة لئلا يتعرض كل لبنان للعقوبات الاميركية والردّ.
وفي خطوة تشير الى الاهمية التي توليها واشنطن لبيروت، فان الملف اللبناني وفق الاوساط الدبلوماسية لم يعد بيد وزارة الخارجية بل اصبح في عهدة البنتاغون عبر جهاز الاستخبارات الذي يواكب ما يجري على الارض.