كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:
من جديد «ولعت» بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية». لا تكاد جبهة السجالات تهدأ حتى تشتعل مجدداً، وهذه المرّة كان الاشتباك السياسي- الإعلامي عنيفاً واستُخدمت فيه «أسلحة ثقيلة»، ما يدفع الى التساؤل عن جدوى المصالحة ومصيرها؟
بمعزل عن أسباب المواجهة التي تختلف في كل جولة، فإنّ الثابت هو انّ «التيار» و«القوات» ينتميان الى مدرستين متعارضتين في التفكير والسلوك، كما في الحسابات والمصالح. حاولت المصالحة تنظيم التعايش بين هاتين المدرستين اللتين تجمعهما ساحة واحدة، سعياً الى التخفيف من أضرار نزاعهما وتداعياته على البيئة المسيحية، إلاّ انّ أزمة الثقة المتراكمة والمزمنة تحاصر تلك المصالحة وتضعها في استمرار امام تحدّيات واختبارات صعبة.
واللافت في السجال الأخير، انّه كان من العيار الثقيل، وانّ الادبيات التي استُخدمت فيه تعود الى حقبة ما قبل المصالحة، بعدما تمّ نبش ملفات قديمة والخوض في اساءات شخصية، حتى يكاد يُهيأ للسامع انّ الزمن عاد بين ليلة وضحاها نحو 30 عاماً الى الوراء، وتحديداً الى مرحلة 1990-1989 حين كانت المواجهة بين «التيار» و«القوات» في أوجّها.
كان يكفي أن يقول باسيل من الكورة «نحن جئنا من الجيش وليس من الميليشيات وهذا أمر يشرفنا»، حتى يستشيط بعض نواب «القوات» غضباً ويطلقوا العنان لردود فعل حادّة، من دون التمييز في «بنك الاهداف» بين ما هو شخصي وما هو سياسي، فأتى الرد من «التيار» قاسياً بدوره مستعيداً دور «القوات» في محاربة الجيش خلال فترة قيادة العماد ميشال عون.
وقد أشاع هذا «الاشتباك» الحاد مخاوف من سقوط «ضوابط» المصالحة لدى بعض الأوساط المسيحية، خصوصاً تلك التي لا تنتمي الى الطرفين، فيما انخرطت شريحة من المناصرين والحزبيين من الجانبين عبر مواقع التواصل الاجتماعي في «مطحنة» الردود المتبادلة.
وعُلم أنّ اتصالات تمّت لاحتواء الموقف المتشنج، فيما تردّد انّ رئيس «القوات» سمير جعجع أبدى انزعاجه مما جرى، وانّه لم يكن على علم مسبق بطبيعة الردود التي صدرت عن بعض مسؤولي حزبه، وبالتالي هو لم يكن مرتاحاً الى نمط التخاطب الذي اتخذ بُعداً شخصياً.
ويوضح مصدر قريب من معراب، انّ جعجع أعطى تعليماته لمسؤولي «القوات» بضرورة التهدئة ووقف هذا النوع من السجال العبثي.
ويؤكّد المصدر «القواتي» انّ «المصالحة ثابتة على رغم من كل الضغوط التي تواجهها»، لافتاً الى انّ «القوات» تتمسّك بها وترفض العودة الى الخلف»، مشدداً على عدم السماح بنقل التشنج السياسي الذي يحصل احياناً الى الارض التي استعادت تماسكها بعد إنجاز المصالحة.
ويلفت المصدر الى «انّ جعجع حريص على حماية المصالحة المسيحية، ويتعامل مع «التيار» على القطعة بلا أحكام مسبقة، فينتقد حيث يجب ويشيد حيث يجب، كما فعل حين نوّه بأداء وزيرة الطاقة ندى البستاني من دون تردّد.
اما على الضفة البرتقالية، فهناك استهجان للطريقة الانفعالية التي تعاملت بها بعض الشخصيات «القواتية» مع كلام باسيل في الكورة، «حيث تمّ اجتزاؤه واخراجه من سياقه». وما يزيد من منسوب الاستغراب لدى الفريق العوني، هو انّ باسيل لم يلجأ الى تسمية «القوات» في تصريحه، بل تكلم عن الميليشيا عموماً، «فلماذا اعتبروا انّهم هم المقصودون والمستهدفون، حتى بات يصح فيهم القول: «اللي في تحت باطو مسلّة بتنعرو»، و«كاد المريب أن يقول خذوني».
ولئن كان بعض نواب «التيار» قد ردّوا بعنف على تصريحات زملاء لهم في «القوات»، إلّا انّ العونيين يلفتون الى «انّ البادئ أظلم» وعليه ان يتحمّل تبعات ما أدلى به.
ويرجح العونيون «ان يكون السبب الحقيقي الكامن خلف توتر «القوات» هو الانزعاج من النجاح الذي يعكسه سلوك وزراء «التيار» حتى الآن مقابل التراجع في صورة وزراء «القوات» الحاليين قياساً على ما كانت عليه في الحكومة السابقة، وكأن المطلوب تهشيم صورة الغير للتغطية على الإخفاق في مكان آخر». ويشير هؤلاء الى «انّ المقارنة بين تجربتي الجانبين منذ تشكيل الحكومة الحالية تُنصف وزراء «التيار» وتُبيّن انّهم يضعون الخطط ويحققون الانجازات خلافاً لواقع وزراء «القوات».
ويدعو العونيون «القوات» الى التأمّل في حقيقة وضعها والكف عن الهجوم على الآخرين والهروب الى الامام، «إذ من الأفضل لهم ان يراجعوا انفسهم بدلاً من ان يخسروا الوقت والفرص في مراقبة الآخرين، لأنّ من راقب الناس مات همّا».
ويؤكّد التيار العوني انّ «السجالات المفتعلة لن تلهيه عن اولوياته»، لافتاً الى «التمسّك بمبدأ المصالحة على رغم من كل الغبار».