منذ وصول الرئيس دونالد ترامب الى رأس السلطة في الولايات المتحدة الاميركية، كرت سبحة انجازاته لمصلحة إسرائيل. من الاعتراف بالقدس عاصمة لها، الى ما نسجه ومستشاره جاريد كوشنير من “صفقة القرن” التي يبدو أنه سيعلنها بعد شهر رمضان، الى الاعتراف بسيادة اسرائيل على هضبة الجولان. هذا في السياسة، اما في الميدان فالأمر سيّان. يد تل ابيب مطلقة في سوريا ما دامت ترى خطرا على أمنها وحدودها. ولا تقتصر اشارة الضوء الاخضر على واشنطن بل على روسيا ايضا التي، وعلى رغم علاقاتها مع النظام السوري ومع ايران التي تتشارك وإياها في منصة آستانا، لا تنفك تغض الطرف عن سلسلة الاستهدافات الاسرائيلية الجوية لمواقع ايران وأذرعها العسكرية في سوريا، نتيجة ما يمكن وصفه باتفاقات ضمنية، وتوطيد العلاقات التي تتجه في مسار ايجابي تصاعدي بين الدولتين منذ مدة، قافزةٍ فوق كل الاشكالات والتباينات التي عكرت صفوها، لاسيما بعد اتهام روسيا تل ابيب باستهداف طائرة تابعة لقواتها الجوية في الاجواء السورية منذ مدة، وبقيت الحادثة من دون رد روسي على رغم التهديد والوعيد الذي رافق تلك الحقبة، حتى ان الاعلام الايراني لم يتوان آنذاك عن اتهام موسكو بالتواطؤ مع اسرائيل و”قب الباط” لها في شن الغارات.
واشنطن تنظر بعين الرضا الى هذا المسار، كما تقول اوساط ديبلوماسية غربية لـ”المركزية”. فبالنسبة الى البيت الابيض، اسرائيل اولا في الشرق الاوسط وانعكاسات تطور العلاقات الروسية – الاسرائيلية التي تتوسع دائرة بيكارها من السياسة والامن الى الاقتصاد والشؤون التقنية لا بد ان تنعكس ايجابا على سياساته المرسومة للمنطقة، لا بل تخدمها. من هنا فإن الولايات المتحدة ستمضي قدما في اتجاه دفع جهود مواصلة تعزيز التعاون الروسي – الاسرائيلي في المنطقة.
وترى الاوساط ان سياسة الرئيس فلاديمير بوتين وحنكته المشهود لها تمكّنه من ان يلعب في آن على حبلي تعزيز علاقاته مع اسرائيل والتعاون في الداخل السوري مع ايران كحليف سياسي، وهي على عداء مع اسرائيل وتعتبرها غدة سرطانية يجب استئصالها من الوجود على حد تعبير المسؤولين الايرانيين، كاشفةً ان روسيا مكلّفة من ضمن الاتفاقات المعقودة تحت الطاولة بإخراج المسلحين غير السوريين من سوريا وعلى الارجح معالجة اشكالية سلاح “حزب الله” في لبنان، من هنا جاءت دعوة وفد منه للمشاركة في مؤتمر امني انعقد في موسكو، لم يدع لبنان الرسمي اليه، وهو ما وضعته الاوساط في خانة بدء “ترويض” الحزب.
وأبعد، تضيف الاوساط ان ملف التسوية السياسية في سوريا يحضر في كل اللقاءات والاتصالات بين المسؤولين الاسرائيليين والروس، حتى انها لا تستبعد ان تكون اسرائيل شريكة في الحل، فواشنطن توافق على اي صيغة يتم التوافق عليها في سوريا إذا ما قبلت بها حليفتها الاستراتيجية في المنطقة، ما يؤهل تل ابيب تاليا إلى دور الشراكة هذا.
اما في ما خص مصالح موسكو، فترى الاوساط الديبلوماسية ان الكرملين يعتبر ان عودته القوية الى الساحة الشرق أوسطية لا بد ان ترتكز الى دعائم اساسية تمثّلها اسرائيل ودول الخليج بزعامة السعودية، إضافةً الى مصر وتركيا. وهي تعمد الى نسج شبكة علاقات عنكبوتية مع الدول المشار اليها من شأنها ان تثبّت قدميها في الشرق الاوسط.
وفي معرض تدعيم وجهة نظرها، تذكّر المصادر بموقف وزير الخارجية سيرغي لافروف بعد اجتماعه مع نظيره الاميركي مايك بومبيو الاسبوع الماضي، حينما قال “اتفقنا على الحل السياسي في سوريا”. وقد ترافق مع تسريبات اميركية عن ارتياح واشنطن للتقارب الإسرائيلي – الروسي ولعب تل ابيب دورا في الحل في سوريا. فهل تقبل اسرائيل بإحياء المعادلة السابقة التي كانت قائمة على ان يتولى النظام ضبط الفلتان على حدوده في الجولان بعد ان بقيت هادئة ومستقرة طوال عقود، في حين كانت جبهتا لبنان وغزة تشتعلان وتنطلق منهما الحروب؟ ام انها ستوافق على صيغة جديدة يكون المكوّن العلوّي خارجها، اي آل الاسد، فتنتقل السلطة الى الطائفة السنية في سوريا فيرضى العرب، لاسيما السعودية ومصر، ما يساعد على الدفع باتجاه خطوات ايجابية لترجمة صفقة القرن؟ هنا يكمن السؤال الكبير والجواب رهن الايام المقبلة.