على طريقة «العصا والجزرة»، بدت مهمّة مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد في بيروت، في ضوء ما يتكشف تباعاً عن أنه يقوم بدور الديبلوماسي «بقبّعتيْن»، واحدة «تبريدية» على جبهة النزاع الحدودي البحري والبري بين لبنان واسرائيل وثانية تحذيرية من أي جرّ لـ«بلاد الأرز» لاستخدامها «منصّة» لرسائل إقليمية في سياق التصعيد في المنطقة.
وهذان البُعدان في مهمة ساترفيلد الذي يواصل مساعيه المكوكية على خط بيروت – تل أبيب تبلورا أكثر خلال محادثات مع كبار المسؤولين اللبنانيين في الساعات الماضية بعد عودته من اسرائيل التي كان نَقل إليها «خريطة الطريق» التي يرى لبنان أنها تشكل المسار الآمن لبتّ النزاع الحدودي وحفظ حقوقه بالنفط والغاز.
ولم يكن ممكناً عزْل تفعيل وساطة ساترفيلد وضخّ مناخات إيجابية حيالها عن التوتر المتصاعد في الإقليم وسط أسئلة تتوالد حول «سرّ» مَلامح الهبّة الباردة التي تلفح الملف الحدودي والنفطي ولو بحذر.
وفي هذا الإطار رأتْ أوساط سياسية واسعة الإطلاع في بيروت عبر «الراي» أن الديبلوماسي الأميركي المتمرّس يبدو في مهمته وكأنه يحمل في جعبته «الماء والنار»، إذ أنه من جهة يعمل على تحقيق اختراق في جبهة التفاوض وآلياته وإطاره التنفيذي وسط إشاعة بوادر إيجابيات ممكنة تؤسس لمضيّه في مسعاه المكوكي، وفي الوقت نفسه ينقل الى المسؤولين اللبنانيين تحذيرات واضحة من أي استهداف للمصالح الأميركية في لبنان من إيران أو حلفائها (حزب الله) مع التأكيد على أهمية بقاء بيروت بمنأى عن أي محاولة لاستخدام الأراضي اللبنانية في سياق التصعيد الإقليمي لما قد يكون لذلك من تداعيات خطيرة على استقرار البلاد، مشدداً على قلق واشنطن من محاولاتِ التصعيد في المنطقة ومشيراً الى أنّ على الإيرانيين ألا يختبروا تصميم الولايات المتحدة في الردّ على أي استهداف.
وإذ لم تستبعد هذه الأوساط أن يكون التزخيمُ الأميركي لمَساعي فضِّ النزاع الحدودي بين لبنان واسرائيل في إطار محاولاتِ «تحييد» الجبهة اللبنانية عن «فوهة المنطقة» والتمهيد في الوقت نفسه لسحْب المزيد من الذرائع من أمام استمرار الدور العسكري لـ«حزب الله» وبقاء سلاحه، فإنها توقفت بالمقدار نفسه أمام المرونة التي يُبديها «حزب الله» حيال اضطلاع واشنطن بواسطة في هذا الملف الحساس على عكْس الكلام الكبير الذي سَبَقَ لأمينه العام السيد حسن نصرالله أن أَطْلقه في خطابه الأخير رفضاً لأي وساطة أميركية في هذا الإطار.
وفي رأي الأوساط نفسها أن تَراجُع «حزب الله» خطوة في هذا المجال يحتمل تفسيرات عدة لا يمكن فصْلها عن حال «الغليان» في المنطقة وربما الحاجة لتعزيز «الستاتيكو» الهادىء على الجبهة اللبنانية – الاسرائيلية بما يعنيه ذلك عسكرياً وسياسياً.
وكانت المعلومات التي جرى تداوُلها في بيروت حول محادثات ساترفيلد في بيروت الاثنين أفادت انه نقل موافقة الجانب الاسرائيلي على نقاط سبقَ أن عارضها، وبينها على رعاية الأمم المتحدة للمفاوضات بحضور الوسيط الأميركي، على أن يتم التفاوض مبدئياً في مقر «اليونيفيل» في الناقورة، وسط إشارة تقارير إلى انه ما زالت هناك حاجة للبحث في تفاصيل عدة وأن الجانب اللبناني يطلب ضمانات من واشنطن ان المفاوضات ستؤدي لحفْظ حقوقه في الفط والغاز وأن بيروت تتمسك بترسيم الحدود في البر والبحر في آن والتلازم في بدء التنفيذ براً وبحراً.
وفي موازاة ذلك، كان «لبنان المحلّي» منْهمكاً باستكمال المناقشات حول مشروع موازنة 2019 على طاولة مجلس الوزراء الذي انعقد أمس في جلسةٍ ختامية كان سبقها شدّ حبال سياسي بين وزير المال علي حسن خليل ورئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل حول إذا كانت ستكون «آخر الجلسات» قبل إقرارها في اجتماع للحكومة برئاسة الرئيس ميشال عون أم لا، وهو التجاذب الذي تجلّى في إعلان الأول «الموازنة انتهت بالنسبة لي»، ليردّ الثاني «ننتهي حين ننتهي، ولا وقت محدداً».
وجاء هذا الاستقطاب، الذي كان انفجر مع تقديم باسيل في القسم الأخير من مناقشات الموازنة ورقةً باقتراحات لخفْض العجز اعتُبرت في سياق محاولة إعلان «الأمر لي» في هذا الملف ومساره النهائي وخياراته، غداة تحرّك في الشارع تقدّمه العسكريون المتقاعدون في محيط السرايا الحكومية التي أوشكوا على اقتحامها اعتراضاً على أي مساسٍ بحقوقهم ومكتبساتهم، وهو التطور الذي عكس حجم الضغوط التي تعرّضت لها الحكومة وجعلتْها تتراجع عن أي اقتطاعات من رواتب العاملين في القطاع العام، من دون أن يُعرف إذا كانت بنود أخرى في الموازنة ستمرّ بهدوء.
وكانت أبرز البنود التي كُشف عنها في الموازنة لتعزيز الإيرادات شملت فرض ألف ليرة على كل «نفَس نرجيلة» يُقدّم في المطاعم والفنادق والمؤسسات المرخصة، وهي الخطوة التي جعلت إحدى الصحف (الأخبار) تخرج بمانشيت حملت عنوان «موازنة نارة يا ولد» وفرْض رسم 500 الف ليرة على الزجاج الداكن للسيارات، ومئتي الف ليرة سنوياً على رخص السلاح، ورسم 2 في المئة على السلع المستوردة باستثناء الدواء.