كتبت ليا القزي في “الاخبار”:
اختار الوزير محمد شقير أن يدخل «سوق» خدمات القيمة المضافة في قطاع الاتصالات، من خلال التسويق لخدمة «Roaming» (التجوال الدولي) تُنافس الخدمة المقدمة من «ألفا» و«تاتش». وزارة الاتصالات، وعوضاً عن خفض كلفة هذه الخدمة المقدمة من الشركتين المملوكتين للدولة، قررت منحها لشركة خاصة، على أن تتولى «ألفا» و«تاتش» الترويج لها!
يكشف وزير الاتصالات – رئيس الهيئات الاقتصادية – محمد شقير، عن إطلاق «خدمة قيمة مضافة» جديدة تتعلق بالـ«تجوال الدولي» («Roaming»، أي استخدام المشترك هاتفه الخلوي اللبناني خارج لبنان). يأتي ذلك في إطار توجهه لإلغاء حصرية خدمات القيمة المضافة (تُعرف اختصاراً بـVAS) في قطاع الاتصالات («تحتكر» هذا السوق ثلاث شركات)، ورفع نسبة الإيرادات التي تجنيها الدولة منها. «أهلا وسهلاً بأيّ شخص لديه خدمة، وممكن أن يُشكّل مورد ربحٍ لنا»، يقول شقير لـ«الأخبار». الأخير مُتحمّس للخدمة الجديدة، «هلّق بدها تمشي عا السريع بظرف أسبوعين».
ويُقدّم شرحاً بسيطاً لطريقة عملها، فيُخبر أنّ المُشترك في شبكتَي «ألفا» و«تاتش» يُمكنه أن يدفع 25 دولاراً بالشهر بدلاً للخدمة الجديدة، «ليستطيع من أي بلد التواصل مع المشتركين في لبنان، واستخدام الإنترنت، بالتعرفة المحلية نفسها كما لو أنّه في لبنان». يُطلق على الخدمة اسم «Wonet»، وهي عبارة عن تطبيق يُحمَّل على الهاتف ويوفر خدمات التجوال المجانية (عبر شراء شريحة التطبيق الخاصة)، والاتصالات الصوتية (الواردة والصادرة) باستخدام رقم المُشترك نفسه.
توزيع الأرباح سيكون مناصفةً بين الدولة (عبر «ألفا» و«تاتش») والـ«Wonet»، علماً أنّ «الشركة صاحبة الخدمة كانت تريد الحصول على 60% من الأرباح»، يُعقّب شقير. صحيح أنّ وزير الاتصالات تمكّن من «زيادة» حصة الدولة إلى النصف، لكنّ الشركة لم تخرج من الاتفاق خالية الوفاض. «إنجاز» شقير تقاسم الأرباح مناصفةً، قابله «انتصار» للشركة الخاصة بأن تدفع الدولة إعلانات التسويق للخدمة. فبحسب شقير، «قال صاحب الخدمة إنّه لن يدفع دولاراً على الإعلانات، فجاوبته: نحنا منحطّ الدعاية». يتوافق ذلك مع معلومات «الأخبار» بأنّ شقير أعطى «ألفا» و«تاتش» موافقة مسبقة على إنفاق كلّ منهما 100 ألف دولار، للقيام بحملة «Wonet» الإعلانية.
المشكلة في الموضوع، لا تنحصر في «العناية الخاصة» التي يوفرها وزير الاتصالات لخدمة التجوال الجديدة، والتي ستفتح المجال أمام باقي مقدمي خدمات القيمة المضافة لفرض شروطهم على الدولة. فشقير يُدخل إلى السوق خدمة، يُفترض بها أن تُشكّل «قيمة مضافة»، فإذا بها مُنافس لخدمة أساسية موجودة أصلاً لدى «ألفا» و«تاتش» هي الـ«Roaming» (التجوال الدولي)، التي توفّر إيرادات (انخفضت في السنوات السابقة) إلى خزينة الدولة، وتُساهم في إدخال العملة الصعبة إلى البلد. وضع التطبيق الجديد حيّز التنفيذ يعني خسارة الدولة لنسبة من الأرباح، لمصلحة القطاع الخاص، الذي سيستفيد بالوقت نفسه من البنية التحتية للاتصالات ليُراكم أرباحاً. يحصل ذلك في وقت تُناقش فيه القوى السياسية مشروع موازنة الـ2019، وتبحث عن أبوابٍ لخفض النفقات وزيادة الإيرادات، وتقليص العجز في ميزان المدفوعات.
فواحد من عوامل الأزمة التي يمرّ بها لبنان، هو النقص في الدولارات التي تدخل إلى البلد ويحتاجها لدفع المترتبات عليه في الخارج. تلزيم الـ«Roaming» لشركة خاصة، سيُساهم في تفاقم هذا العجز.
يقول أحد الخبراء في مجال الاتصالات إنّه «يُفهم أن تلجأ شركة إلى إنشاء تطبيق لتوفّر على المُستخدم تكاليف خدمة التجوال المرتفعة، ولكن لا يُفهم أن يختار مالك (الدولة) المُشغّل أن يضرب نفسه، ويُفضّل إخراج العملة الصعبة من البلد عوض إدخالها، ما يؤدي إلى خفض مداخيل الدولة». فعلى سبيل المثال، يُمكن أحدَ اللبنانيين الذين يسيحون في فرنسا، المشترك بخدمة الـ«Wonet» أن يتلقى مخابرة (أو يتصل هو) بأحد الأشخاص داخل لبنان، «وتكون التكلفة هي نفسها، كما لو أنّ الاتصال يجري بين مُستخدمين داخل لبنان. علماً أنّ هذا اتصال دولي، كان يُفترض أن يؤمّن مدخولاً للدولة». النقطة الثانية، التي يذكرها الخبير، أنّ «ألفا» و«تاتش» تحصلان على نسبة من أرباح اتصالات المشغلين الدوليين، من مخابرات الأرقام اللبنانية في الخارج التي تستخدم تقنية الـ«Roaming». انتقال المشتركين لاستخدام التطبيق الجديد، «يؤدي أيضاً إلى انخفاض المدخول إلى لبنان». قد يُبرّر البعض بأنّ إنشاء التطبيق يعود إلى الكلفة الباهظة لاستخدام الـ«Roaming».
فالاشتراك بالخدمة من «ألفا»، للخطوط ملحقة الدفع، يستوجب دفع تأمين مالي «Deposit» يبلغ ألف دولار، أما في «تاتش»، فالتأمين يبلغ 500 دولار. يُضاف إلى ذلك، تكلفة التخابر وإرسال الرسائل القصيرة المرتفعة، للبطاقات المسبقة والملحقة الدفع. لكن بحسب الخبير في قطاع الاتصالات، الحلّ «لا يكون بأن تُساهم الدولة في إضعاف نفسها، بل العمل على تحسين خدمة الـRoaming. فإذا اكتشفت وجود تسرّب في هذا القطاع، الأجدى بها تقديم باقات أفضل للمستخدمين (خفض أسعارها، وهو قرار بيد الوزارة لا بيد «ألفا» و«تاتش») وتحسين خدمتها، وليس تكليف طرف ثالث بذلك». ويلفت الخبير إلى «نقطة أساسية»، هي أنّ التعويل الأكبر في إيرادات خدمة التجوال، تقوم على الأجانب (واللبنانيين الذين يعيشون في الخارج) الداخلين إلى البلد، وليس العكس.
هؤلاء كانوا يستخدمون شرائحهم، بفضل الـ«Roaming»، في لبنان فتستفيد منهم الخزينة. ولكن، بسبب «أسعارنا المرتفعة جداً، كتخابر وإنترنت، وعدم توقيعنا بروتوكولات مع المشغلين الكبار، بدأ هذا الدخل يتراجع». الأوفر بالنسبة إلى المستخدمين، شراء خط محلي أو اللجوء إلى تقنية الاتصال عبر الإنترنت. يقول الخبير إنّ المشكلة هي «في أسعارنا المرتفعة جداً، ورفض وزارة الاتصالات، سابقاً، التوقيع على أي اتفاقية ما دون الستة دولارات لكلّ ميغابايت. المشغلون الكبار اعتبروا أن السعر مرتفع». لذلك، يقترح الخبير «العودة إلى الأصل، في توقيع بروتوكولات عالمية، تحفظ حقّ الدولة، وتُعيد تنشيط خدمة الـRoaming».
إضافةً إلى الخسارة المادية، تبرز في خدمة الـ«Wonet» ثُغَر أمنية. فالتطبيق يعمل بحسب تقنية الـ«Multi IMSI»، التي تعني الهوية الدولية للمشتركين في الشبكة الخلوية. تعدّد الهويات، لذات شريحة الهاتف «SIM»، يعني أنّه أصبح للمشترك أكثر من حساب. يقول خبير الاتصالات إنّ التطبيق يسمح بتبديل مفتاح الاتصال، من دون معرفة الرقم الذي تجري عبره المخابرة. ويُضيف أنّ تعدد الهويات «يُصعّب تتبّع الرقم، ويُسهّل نسخه، وترتفع نسبة المخابرات غير الشرعية، وترتفع إمكانية قرصنة حركة البيانات الدولية».