Site icon IMLebanon

قانون انتخابي جديد لمصلحة القوى السياسية دون الشعب!

كتب د. مازن ع. خطاب في صحيفة “اللواء”:

بادرت جهّة حزبيّة الى تسويق مشروع قانون انتخابي جديد ضمن الأوساط السياسية، يأخذ بعين الاعتبار الشوائب الكبيرة والخطيرة التي نتجت عن القانون رقم ٤٤ لعام ٢٠١٧ والذي جرت بموجبه الانتخابات النيابية في شهر أيار من العام الماضي.

 

ويقوم القانون المُقترح على النسبية الكاملة مع اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة بصيغة تحفظ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين وتُلغي مسألة «الصوت التفضيلي» الذي اعتُمد في الانتخابات السابقة، والذي جرّد مبدأ التصويت النسبي من حسناته وفرز الناس مذهبياً، في مُقابل اعتماد لوائح مُغلقة يتم تحديد المُرشّحين ضمنها بشكل مُسبق بحسب تراتبيّة إسميّة والتي في ضوئها تحدّد هويّات الفائزين.

 

عملياً يلغي هذا الطرح «الصوت التفضيلي» لصالح انشاء لوائح مكتملة تضمّ ١٢٨ مرشحاً عن كافّة المذاهب، كلٌّ بحسب حصّته وفقاً للكوتا المذهبيّة المُعتمدة، ممّا يعني انّ الترشيح في هذا النظام يكون على أساس مذهبي – غير مناطقي، بحيث يكون لكلّ مقترع صوت واحد يمنحُه للائحة واحدة بكافة مرشحيها الـ١٢٨ الذين يمثّلون جميع المذاهب. ومن شأن الغاء «الصوت التفضيلي» أن يحدّ من حجم الفوز المُضخّم الذي حقّقته بعض القوى السياسية في الانتخابات الماضية، كما سيحدّ ذلك من قدرة كل طائفة على التعبئة المذهبية من اجل إيصال نوّابها بقواها الذاتيّة.

 

وأبرز سلبيات اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة هي تشجيع القوى السياسية والأحزاب والتكتلات السياسّية على بناء تحالفات آنية مرحلية بينها، ممّا يُغلّب الديمقراطيّة العدديّة للأقوياء في طوائفهم ويُشوّه تمثيل الأقليّات ويهمّشها. ومن شأن ذلك ان يرفع فُرص محوَر سياسي بارز في كسب تأييد نحو ثلث الناخبين على مُستوى لبنان، وبالتالي إضعاف خصومه في الدوائر الكبرى وخصوصاً في العاصمة بيروت. وهناك إمكانية أن تفقد بعض المناطق تمثيلها النيابي. كذلك هناك مسألة الصعوبة في ترتيب الأسماء ضمن اللوائح بشكل يؤمن فرص نجاح متساوية بين الطوائف والمذاهب ضمن اللائحة الواحدة.

 

وفي ظل التجاذبات السياسية والمذهبية الراهنة التي يسعى من خلالها كل فريق الى السيطرة على مقدّرات الدولة وزيادة مكتسباته، من المتوقّع ان تطرح جهات مسيحية مشروع قانون انتخابي مناوئ للمشروع المدعوم من الثنائي الشيعي، يكون على غرار قانون «اللقاء الأرثوذكسي» بحيث يتم اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة ولكن مع تشكيل لوائح مذهبية محضة، ينتخب على أساسها كل مذهب لائحة تضم حصراً نواب من مذهبه على مستوى كل لبنان.

 

وبالعودة الى الاسس الدستورية المكرسة في وثيقة الوفاق الوطني «اتفاق الطائف» وفي الدستور اللبناني، فقد نصّت المادّة ٢٤ من الدستور على أنه الى حين اقرار قانون انتخاب خارج القيد الطائفي توزع المقاعد النيابية «نسبياً بين المناطق». من هنا يشير الدستور الى اعتماد النسبية بين المناطق اللبنانية التي تشكّل دوائر انتخابية، كان قد حدّدها «اتفاق الطائف» في النبذة ٤ من الفقرة أ من البند ٢ على أن «الدائرة الانتخابية هي المحافظة». وقد حدد القانون ٥٢٢ لعام ٢٠٠٣ المحافظات الثماني التالية: محافظة بيروت؛ محافظة جبل لبنان؛ محافظة لبنان الجنوبي؛ محافظة النبطية؛ محافظة البقاع؛ محافظة بعلبك الهرمل؛ محافظة لبنان الشمالي؛ ومحافظة عكار.

 

وبالرغم من ان الدستور لم يحدد صراحةً هذا النصّ، الّا انّه اعتبر ضمنياً أن تحديد الدائرة الانتخابية بالمحافظة كما ورد في الاتفاقية يشكل فقط الحد الادنى الذي يؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب والحفاظ على العيش المشترك ووحدة الارض والشعب والمؤسسات. ولا شك أن الدستور يتيح اعتماد لبنان كله دائرة انتخابية واحدة، ولكن يشترط ذلك تطبيق بنود «اتفاق الطائف» الاصلاحية لجهة اجراء الانتخابات من خارج القيد الطائفي واقتران ذلك بتطبيق اللامركزية الادارية.

 

والى حين تطبيق هذه الإصلاحات، يكون القانون الانتخابي الأصلح للبنان هو على اساس المحافظة دائرة انتخابية، مع اعتماد النظام النسبي الكامل على أساس لوائح مغلقة تعتمد التراتبية الاسمية وتعدُّ مرشّحين من كافة الطوائف والمذاهب بحسب الكوتا المُعتمدة.

 

في لبنان تبقى مصالح الأحزاب والكتل السياسية فوق مصلحة الشّعب، ولذلك مهما كانت صيغة القانون الانتخابي في إطار الطائفية السياسية، ومهما كبُرت الدوائر الانتخابية أو صغرت، يبقى الهدف من العملية الانتخابية إعادة إنتاج القوى السياسية ذاتها التي تبحث عن منفعتها الفردية والطائفية، وتعويم أصحاب النفوذ الطائفي والمالي والاقطاعي، لا تمثيل اللبنانيين وخدمتهم!