يتطلع الوسط السياسي إلى خروج مجلس الوزراء اللبناني بنتيجة نهائية من مناقشات مشروع الموازنة الذي أدخلت عليه إضافات وتعديلات خلال 18 اجتماعا، وسط اشتباك سياسي بين فريق يستعجل إقرارها اليوم في الاجتماع التاسع عشر برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري الذي أخذ يمتعض من تأخيرها بافتعال تمديد النقاش، يسانده في ذلك عدد من الفرقاء أبرزهم وزير المال علي حسن خليل، وبين وزير الخارجية رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي ترك الباب مفتوحا في مؤتمره الصحافي أمس على إمكان عقد المزيد من الجلسات بحجة إدخال المزيد من البنود فيها تحت عنوان خفض النفقات وزيادة الواردات.
وكانت الجلستان السابقتان لمجلس الوزراء شهدتا تجاذبا بين باسيل وعدد من الوزراء حول ضرورة الإسراع في إنجاز الموازنة، أدى إلى انزعاج الحريري الذي أنهى جلسة الأربعاء بامتعاض ظاهر حيال استمرار السجال حول اقتراحات بعضها مكرر من قبل باسيل، لخفض العجز ، عاقدا العزم على حسم الأمر اليوم.
وذكّرت مصادر وزارية بما قاله خليل في الجلسة عن أن خفض العجز إلى نسبة 7.5 في المئة من الإنتاج المحلي إنجاز مهم وأن الإسراع في إخراج الموازنة إلى النور يساعد في تحسين صورة لبنان حيال المؤسسات المالية العالمية ويحول دون تخفيض تصنيف لبنان الإئتماني من قبل بعض هذه المؤسسات، ويوقف التوتر القائم في الشارع. وأيده في موقفه الحريري لاحقا، وهو توافق معه على أن هناك أفكارا حول التوفير في الإنفاق، وزيادة الواردات يمكن اتخاذ قرارات في شأنها في الحكومة لاحقا.
وقالت مصادر وزارية متعددة لـ”الحياة” إن إطالة البحث بالموازنة بدا غير منطقي إلا إذا كان وراءه سبب سياسي خفي، في وقت ترى مصادر سياسية أن تقصد باسيل طرح أفكاره بعد الجلسة الثانية عشرة لمجلس الوزراء حيث استعاد اقتراحات جرى الأخذ ببعضها، ثم إعادة صياغتها بقالب جديد في الجلسة السابعة عشرة، يخفي وراءه رغبة في الظهور بمظهر من يعمل للإصلاح لاتهام الآخرين بأنهم لا يريدونه، إضافة إلى الإيحاء بأن القرار له في الحكومة في شأن بهذه الأهمية وبأنه بطل الإصلاح والآخرون ييتبعونه.
وتشير أوساط سياسية تابعت مناقشات الموازنة منذ البداية لـ”الحياة”، إلى أن هناك صراعا على الصلاحيات والمرجعية في شأن معالجة الوضعين المالي والاقتصادي، إذ أن رئيس الجمهورية ميشال عون سبق أن قال آخر الشهر الماضي، أن من لا يعرف الحل للأزمة الاقتصادية فليأت إلى القصر الرئاسي كي نساعده على حلها. وهو الكلام الذي رأى فيه الوسط السياسي تصويبا على الحريري الذي امتنع عن الرد عليه جريا على التزامه مبدأ عدم الدخول في سجالات والعمل بدلا منها لأجل التوافق.
وتلفت المصادر نفسها لـ”الحياة” إلى أنه حين طرح موضوع خفض نفقات القوات المسلحة بحصر تطبيق تدبير الاستنفار الرقم 3 بالعسكريين الذين يؤدون الخدمة على الحدود مع العدو، نظرا إلى انعكاسه على الرواتب والتعويضات، طرحت فكرة البت بصيغة تطبيق هذا التدبير في اجتماع للمجلس الأعلى للدفاع الذي يرأسه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة. وبدا أن هناك من يسعى إلى مصادرة صلاحية يتمتع بها مجلس الوزراء وافتعال إحالة الأمر إلى مجلس الدفاع من أجل الإيحاء بأن الحل هو بيد رئيس الجمهورية.
كما أن بعض الوزراء انتقد توقيت الدعوة إلى الاجتماعات من قبل الحريري على جدول زيارات الأخير الحزبية إلى المناطق، أيام السبت والأحد اللذين كان الحريري ينوي عقد اجتماعات مجلس الوزراء خلالهما من أجل التعجيل في إنجاز الموازنة. لكن باسيل كان في كل مرة يطلب تاجيل المواعيد في هذين اليومين بدلا من أن يلائم زياراته الحزبية وفق مواعيد اجتماعات مجلس الوزراء لتعويض التأخر في إقرار الموازنة التي كان الحريري وعد بإنهائها قبل أسبوعين.
ويذهب بعض الأوساط السياسية إلى حد القول لـ”الحياة” أن اعتماد نهج “الكلمة الأخيرة لي” في سلوك باسيل، من الفريق الرئاسي، ينسحب على ملفات عدة عالقة بين الرئيسين عون والحريري، أبرزها ما يتعلق بالتعيينات وبالنفوذ في بعض المؤسسات العامة، مثل مصرف لبنان ومرفأ بيروت وشركة طيران الشرق الأوسط والتعيينات في المؤسسات الأمنية، سبقت جلسات الموازنة وينتظر أن تطرح بعد الانتهاء من بحثها، وربما يكون ما يحصل في شأن الموازنة متصلا بها.
وفي وقت أخذ بعض الوزراء كما أسر عدد منهم ل”الحياة”، على الرئيس الحريري مسايرته باسيل، وتركه يسترسل في تعطيل ولادة الموازنة، كما فعل في تعطيل تأليف الحكومة قبل أشهر، فإن أوساط الحريري امتنعت عن الدخول في أي سجال في هذا الشأن، بل أن معظم وزراء “تيار المستقبل” ونوابه تجنبوا أي موقف يفهم منه أنهم على اشتباك مع أي من الفرقاء ومنهم باسيل. وقال بعض المحيطين برئيس الحكومة ل”الحياة” إنه على رغم أن الحريري حريص على ألا يكون طرفا في أي اشتباك سياسي، فإن هذا لا يمنع القول أنه ضحية التجاذب الحاصل لأن تأخير الموازنة لا يصب في مصلحته كرئيس للحكومة.