كتب عبد الرحمن جاسم في صحيفة “الاخبار”:
ربما هي المرة الأولى التي يحظى فيها مسلسل «أكشن» مصري بجزءٍ ثالث، ونقصد هنا «كلبش». إنه نجاحٌ كبير للمخرج بيتر ميمي الذي أخرج الأجزاء الثلاثة وللكاتب باهر دويدار (وإن كانت القصة مستوحاة من الكاتب يوسف حسن يوسف) الذي كتب بدوره الأجزاء جميعها. يضاف إلى جميع هؤلاء الفائز الأكبر بطل العمل أمير كرارة. بعد الجزءين الأولين عامي 2017 و2018، يعود الجزء الحالي ليروي للمرة الأولى قصة تختلف عن القصص السابقة حيث البطل الأوحد «قاهر الأعداء» الذي لا يقهر. فهِم صنّاع العمل أن الأمور لا تمشي هكذا وما مرروه في الجزءين الأولين لن ينفع في هذا الجزء: يحتاج البطل إلى من يعاونه في مهماته. ليس هذا الأمر فحسب، بل إنه هذه المرة يكمل ما بدأه في الجزءين السابقين لناحية التشويق: العدو أقوى منه بكثير، وفوق كل هذا يقدّم تقنية المفاجأة عند نهاية كل حلقة؛ وهذا أمرٌ يحسب للمسلسل.
يكمل المسلسل قصة الضابط سليم الأنصاري الذي يعمل في الداخلية المصرية. هو ضابط مشهود له بالكفاءة والمهارة والقدرات الفذة، لكنه سريع الانفعال والغضب والخشونة الزائدة في بعض الأحيان. ولأنه أثبت براءته من جريمة قتل مدبَّرة في الجزء الأول، وحارب «داعش» والتنظيمات الإرهابية وانتصر في الجزء الثاني، اضطر لادّعاء موته أمام العالم كي يستطيع أن يكمل حياته من دون تعريض من تبقى من عائلته للخطر. يستقيل الأنصاري من الداخلية ويقرر فتح شركة «أمن» محلية، بدعم وحماية من رجل الأعمال أكرم صفوان (هشام سليم) الذي نكتشف بأنه أصاب ابن سليم الأنصاري بفيروس خطر يحتاج إلى علاج لا يستطيع أحد تأمينه سواه. هنا يصبح الأنصاري أداة في يد صفوان يستخدمها كما يشاء. بدوره، يكتشف الأنصاري أنه يتلقى الدعم ولو بشكلٍ سري من جهاز أمن سري مصري يديره اللواء جلال (أحمد عبدالعزيز). يقترح اللواء جلال على الأنصاري تشكيل فريق ليساعده في مهامه بدلاً من عمله وحده. يوافق الأنصاري مرغماً، فيشكل فريقاً من خبيرة علم النفس ريم (يسرا اللوزي) وخبير الكمبيوتر (محمد علي رزق) وخبير الأسلحة صدام (محمود حافظ) وخبير القتال اليدوي بروسلي (أحمد العوضي) وسكرتيرته جومانا (سارة عادل). يسعى الأنصاري مع هؤلاء للقضاء على أكرم صفوان الذي يبدو أنه قادرٌ على الانتصار عليهم جميعاً، خصوصاً إذا ما علمنا بأن هناك «جاسوساً» في هذا الفريق يعمل لصالحه.
رغم أن العمل هو مسلسل «أكشن»، إلا أن أداء الأبطال جاء بعيداً عن معتاد مسلسلات/ أفلام الأكشن العربية: كان أمير كرارة محافظاً على شخصيته «القاسية» وإن «المنطقية» جراء تجاربه الكثيرة وتربيته العسكرية، وهذا يُحسب له، ولكن يُخشى على كرارة غرقه في هذا النوع من الشخصيات الذي شاهدناه يعيده مثلاً في فيلم «كرموز» قبل مدة، وسيعيده كذلك في فيلم «كازبلانكا» الذي سيعرض خلال العيد. النجمان أحمد عبدالعزيز وهشام سليم لا يهبط مستواهما البتة، إذ يستطيع سليم تقديم نفسه بطريقة جيدة ومقنعة، وهو قادر على تقديم دور الشرير والطيب بالمقدرة نفسها، وفي كليهما تقتنع بأنه هكذا. بدوره، أعاد عبدالعزيز إنتاج نفسه كثيراً خلال الأعوام الفائتة، فنجم التسعينيات الذي اعتُبر واحداً من وجوه الدراما الرئيسيين، اختفى أكثر من عشر سنوات ليعود ويطلّ خلال الأعوام الفائتة عبر أعمال من شأنها إعادته إلى الواجهة. ومن الوجوه الجديدة في العمل، يبرز أحمد العوضي الذي يقدم شخصية «الحرامي/خبير القتال اليدوي» الذي يسمى «بروسلي» بطريقة «حقيقية» إلى حدّ كبير، حتى ليكاد يقنعك بأنه قد درس الـmethod acting في لحظة ما. يسرا اللوزي تبذل مجهوداً، لكنه دون المتوقع منها، فالفتاة الجميلة مقنعة لكن يمكنها أن تكون أقوى. الـcomic relief في العمل هو محمد علي رزق الذي يبدو قادراً على ذلك. فمن المعلوم بأن هذا النوع من الشخصيات هو أساسي في نجاح أي عمل أكشن في العالم. رزق متمكّن من الأداء، لكنه يقع في فخ المبالغة أحياناً، ولكن أيضاً يُحسب له أنه لا يقع في فخ «التهريج».
إخراجياً بذل بيتر ميمي كالعادة جهداً كبيراً في تقديم عمل متكامل حتى اللحظة؛ فرأينا مشاهد أكشن جميلة مسبوكة بشكل يمكن المراكمة عليه لإنتاج دراما/ أكشن ذات توليفة عربية وفي الوقت عينه، ليس من الضرورة مقارنتها بنظيرتها الهندية لناحية سواء التطبيق أو الأميركية لناحية البهرجة في كل شيء. وأثبت باهر دويدار أنّ لدينا كتّاباً قادرين على تقديم نص «بوليسي/ أكشن» حديث من دون أن يكون مقتبساً عن رواية/ نص غربي. بقي أن نشير إلى موسيقى المسلسل التي صنعها طارق علوش، حيث تم استخدامها بحرفة جعلته يحمل طابعاً خاصاً ومميزاً. في الختام، يمكن اعتبار «كلبش» بجزئه الثالث فاكهةً رمضانية مختلفة تريد أن تتحدث مع جمهور يرغب في مشاهدة مسلسل «أكشن» يشبهه، من دون أن يكون رديء المحتوى/ المضمون أو الإنتاج/ التطبيق.