كتب غاصب المختار في صحيفة اللواء:
اثيرت مؤخراً في اوساط سياسية واعلامية مسألة الحدود البحرية بين لبنان وسوريا في المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل من البلدين، بعد اعلان البلدين نيتهما البدء باستكشاف واستخراج النفط والغاز خلال السنوات الخمس المقبلة، وسط معلومات عن خلاف لبناني – سوري حول حدود المنطقتين الاقتصاديتين اللتين يقع ضمنهما البلوكان واحد واثنان اللذان حددهما لبنان ضمن حدوده، واطلق الدورة الثانية للتراخيص التي تنتهي في كانون الثاني 2020 لتلزيمها، فيما اعلنت سوريا انهما ضمن حدودها. وثمة من يقول ان مساحة النقاط المختلف عليها بين 900 والف كلم مربع، لكن هناك شكوك رسمية في صحة هذا الرقم وتعتقد مصادر رسمية انها اقل بكثير.
ولكن تتوقف مصادر رسمية متابعة عند الطريقة التي اثيرت بها المسألة والتي اوحت كأن سوريا وضعت يدها على المياه اللبنانية وصادرت حق لبنان، بينما الحقيقة ان الموضوع تقني يتعلق بطريقة ترسيم الحدود التي اعتمدها كل من البلدين فظهر الفارق بين الخط الذي رسمه لبنان وبين الخط الذي رسمته سوريا، وهو امر قابل للتفاوض، وسبق للخارجية اللبنانية ان راسلت بشأنه الخارجية السورية في عهد الحكومتين السابقتين، وكان من المفترض ان تحصل متابعة له لكن ظروف الحرب على سوريا وظروف لبنان الداخلية لا سيما بعد تأخير تشكيل الحكومة، حالت دون استكمال الملف الموضوع حاليا على الرف بانتظار ان تقدم الحكومة عبر وزارة الخارجية على اعادة فتحه بعد اقرار الموازنة وانهاء بعض الملفات الداخلية المهمة العالقة.
وتوضح المصادر الرسمية التي تابعت الموضوع، ان هناك طرقا عدة دولية لترسيم الحدود، وان لبنان اعتمد في ترسيم حدوده البحرية الشمالية على القانون الدولي الذي ينص على ما يسمى «العدالة بتقسيم المياه»، واختار طريقة «النقاط متساوية التباعد» وهي الطريقة الاكثر اعتمادا وشيوعا في دول العالم لترسيم الحدود، وتولاها ضباط مختصون من الجيش اللبناني، وقام بترسيم الحدود ومن ضمنها حدود البلوكين النفطيين الاول والثاني، وهي الطريقة التي اعتمدت في ترسيم الحدود الجنوبية البحرية، بينما اعتمدت سوريا طريقة رسم خط افقي من البر الى البحر بناء على خطوط العرض، فشملت بذلك منطقة البلوكين النفطيين، وقامت ايضا بتكليف شركة روسية للتنقب عن النفط والغاز ضمن هذه المنطقة. وقد ارسل لبنان الى الخارجية السورية رسمياً ملف الترسيم البحري الذي وضعه والذي يتضمن كل المعلومات. كما ارسل رسميا ملف الترسيم الى الامم المتحدة التي اعتمدته، لذلك يعتبر لبنان ان حقه بحدوده البحرية محفوظ جنوبا وشمالا.
وتشير المصادر الى ان اختلاف طريقة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا شبيه بالاختلاف في طريقة الترسيم بين لبنان والعدو الاسرائيلي، فكل طرف اختار طريقة واعتمدها لترسيم حدوده، فوقع الخلاف، وهو لا يحل الا بمفاوضات بين الدولتين وعبر وسيط دولي او طرف محايد، واذا كان الامر مع العدو الاسرائيلي يحتاج الى رعاية الامم المتحدة واميركا، نظرا لطبيعة الصراع مع العدو وعدم وجود قنوات تفاوض مباشرة، فإن الامر مختلف مع سوريا، التي توجد بينها وبين لبنان علاقات اخوة ودبلوماسية وسفارات وسفراء، وبالتالي امكانية التفاوض المباشر بين شقيقين امر سهل ولو احتاج الى وقت لمعالجة بعض النقاط العالقة بين البلدين. خاصة ان لا خلاف بين البلدين على نقطة انطلاق ترسيم الحدود البحرية من البر، وهي وسط مصب النهر الكبير الجنوبي، لكن المشكلة تقع حول احتساب جزيرة الارانب نقطة اساس في الترسيم.
ويبدو ان اثارة المخاوف في لبنان حول الحدود الشمالية وحول فرضية خسارة لبنان فرصة تلزيم البلوكين الشماليين اذا احجمت الشركات عن خوض المناقصات، هي سياسية اكثر مما هي تقنية، ذلك إن خصوم سوريا في لبنان يثيرون الموضوع ربما عن غير قصد في توقيت سياسي خاطئ، وهو توقيت التحضير لمفاوضات مع الكيان الاسرائيلي وبرعاية الامم المتحدة واميركا لانتزاع حقوقه من العدو.
لكن المصادر الرسمية تؤكد انه لا حل لهذه المسألة الا بعودة التفاوض المباشر بين لبنان وسوريا حول ملف الحدود البحرية، والذي يمكن عزله عن ملف الحدود البرية الذي تُثار حوله اشكاليات عدة سياسية وتقنية محلية ودولية ترتبط بموضوع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة، والذي من المفترض ان تتولاه المفاوضات الرباعية اللبنانية – الدولية – الاميركية – الاسرائيلية.
يذكران وزير النفط السوري علي غانم اعلن «أنّ عمليات الاستخراج تجارياً ستبدأ في العام 2023، بعدما تمَّ إبرام عقد مع شركة سويوز إيست ميد الروسية للتنقيب عن الغاز في البحر، علماً أنّ اتفاقاً كان جرى توقيعه مع الروس في العام 2013 حول بلوك آخر. وقد بدأت الشركة أعمال الاستكشاف والتنقيب هناك في تشرين الأول الفائت».
وبما ان الوقت لا زال متاحا امام لبنان وسوريا للبحث والتفاوض، فإن ثمة من يرى انه لا يمكن في ظل العلاقات غير السوية حاليا ان تجري المفاوضات، الا بتدخل طرف ثالث او وسيط، وثمة من يقول انه لا وسيط يمكن ان يكون مقبولا الاّ الروسي، كونه المعني عبر شركاته باستخراج النفط والغاز من البلوكات اللبنانية والسورية. فهل تتدخل روسيا عندما ترى الوقت مناسبا ام انها تنتظر طلباً لبنانياً او سورياً؟ وهل يتم التوافق اللبناني – اللبناني حول فكرة التفاوض مع سوريا؟ هنا تكمن المعضلة الأكبر.