كتب د. فؤاد زمكحل في صحيفة “الجمهورية”:
يقوم لبنان بإعداد بيع سندات بقيمة 2.5 مليار دولار جزئياً، لتسديد مبلغ مستحق قيمته 650 مليون دولار. كما يُؤمل في الاستفادة من تحسّن معنويات المستثمرين منذ أن تشكّلت الحكومة في 19 شباط الماضي.
لسوء الحظ لغاية الآن لم يأتِ مجلس الوزراء الجديد بميزانية للعام 2019. (هناك توقعات بأن يتمّ إقرار الموازنة في جلسة اليوم الإثنين)، لذلك، نأمل حقاً أن يحافظ المستثمرون في الأسواق الناشئة على قدرة الصبر لديهم.
إرتفع مؤشر السندات بالدولار الأميركي بنسبة حوالى 10 في المئة عن أواخر 18 تشرين الثاني. لكن لبنان، هذا البلد الصغير على البحر الأبيض المتوسط الواقع في منطقة جغرافية صعبة، يحمل في طياته المخاطر، من نظام سياسي يكافح باستمرار إلى الاعتماد المفرط على حسن أداء القطاع المصرفي الذي لا شك فيه.
لكن، وبسبب بيع السندات ضمن موجة من الذعر في 19 كانون الثاني، عندما كان بعض المسؤولين يتحدث بصوت خافت عن إعادة هيكلة الديون، إنتشرت شائعات تدمير متواصلة للإقتصاد: زادت العائدات على سندات الدولة المحدّدة بـ 10 سنوات بنسبة بلغت 12 في المئة، بينما كانت نسبتها حوالى 7 في المئة قبل عام واحد فقط، في حين توقفت تدفقات الودائع. للمحافظة على ربط العملة المحلية بالدولار – الذي يُعتبر مفتاح الاستقرار – يحتاج البنك المركزي إلى صرف العملات الأجنبية. كنا متفائلين بقدرة الحكومة الجديدة على تمرير ميزانية من أجل الحد من الديون المفرطة والمتنامية. بالفعل، بلغت القروض نسبة 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهي ثالث أعلى نسبة في العالم. وها نحن في منتصف العام، ولا يوجد حتى الآن اتفاق نهائي على الميزانية! علاوة على ذلك، فقد طالب الدائنون الدوليون لبنان بإصلاح قطاعه العام، الذي تستهلك كشوفات المرتبات المتضخمة أكثر من ثلث إيراداته في حين يذهب ما يقارب 35 ٪من الإيرادات الأخرى لخدمة الديون والباقي للتحويلات الخاصة بكهرباء لبنان.
أود ان أذكّر الجميع بأنّ هؤلاء الدائنين تعهّدوا بتقديم قروض ميسّرة بقيمة 11 مليار دولار من أجل البنية التحتية بعد مؤتمر سيدر – شرط أن تقوم الحكومة بتخفيض العجز نسبةً إلى الناتج المحلي الإجمالي بمقدار نقطة مئوية واحدة في السنة لمدة خمس سنوات.
حالياً، قد يقرّ مجلس الوزراء تدابير تشمل رفع الضريبة على دخل الفوائد من 7 في المئة إلى 10 في المئة مع زيادة أعلى معدل للضريبة من 20 إلى 25 في المئة على أصحاب المداخيل المرتفعة، وتقليل بعض المزايا للموظفين الحكوميين. وفي الوقت نفسه، قد تؤدّي خطة جديدة للكهرباء إلى وقف الإنفاق على الطاقة إذا تمّ تنفيذها بشكل جيد.
لكن للأسف، ، قد لا تكون هذه التحركات كافية لتخفيف المخاطر على المدى القريب، مع الإشارة إلى أنّ تدفقات الودائع لم تُستَرَد بعد. وبالتالي، يقدّر خبراء الاقتصاد أنّ إجمالي متطلبات التمويل الخارجي للبنان سوف يصل إلى 18.7 مليار دولار هذا العام، ما يعني أنّ البنك المركزي سوف يضطر إلى دفع حوالى 5.7 مليارات دولار من احتياطيات العملات الأجنبية.
حقاً، لبنان بحاجة إلى ميزانية مدروسة تماماً لاستعادة تفاؤل المستثمرين.