Site icon IMLebanon

“الهيبة- الحصاد”: حين يصبح المجرم بطلاً

كتب محمد ابراهيم في “الاخبار”:

 

للعام الثالث على التوالي تبث قناة «أم تي في» اللبنانية مسلسل «الهيبة ـــ الحصاد» الذي يظهرنا كمجتمع فاسد ومفسد. إذا استعرضنا شخصية البطلة (سيرين عبد النور) مثلاً، نجدها صحافية تسلقت سلم الشهرة عبر السرير الذي جمعها برجل أعمال (جوزيف بو نصّار) فاحش الثراء فاسد ومتنفذ، ولديه من العلاقات ما يخوّله التحكّم بقطاع الإعلام، فيأتمر أصحاب المحطات التلفزيونية بأمره، يرفعون من يريد ويسدون الأبواب في وجه من يشاء. فهل هكذا تعمل المؤسسات الإعلامية في لبنان؟ بل إنّ نفوذ هذا الشخص السلطوي لا يقف عند هذا الحد، بل يصل إلى قائد أحد الأجهزة الأمنية الفاسد أيضاً الذي يعدّ الكمائن للغدر بالمطلوب الهارب وتصفيته كرمى لعين صديقه التاجر.
وإذا كان المسلسل يصوّر هذا التاجر بمظهر الشرير، إلا أنه يروج لحق البطلة في الانتفاض عليه بعدما وقعت في غرام البطل، من دون أي إشارة إلى أن المذيعة الشهيرة كانت تدفع من جسدها فواتير الشهرة، فهل هذا هو المثال الذي يجب أن نقدمه لبناتنا الراغبات بالنجاح في هذا المجال مثلاً؟
أما البطل فحدّث ولا حرج، زعيم عصابة تعتمد البنية العشائرية، خارج على القانون بكل معنى الكلمة، يهدد ويقتل ويزوّر الوثائق والحقائق ويجبي الإتاوات ويساعد المهربين من وإلى لبنان، لا بل يصرّف البضائع لهم، من حشيشة الكيف والأسلحة الفردية والآلات الكهربائية، ولكنه من الورع والتقى بحيث لا يسمح بعبور الأسلحة الثقيلة أو المخدرات الأخرى، وهذه شهامة تُحسب له في المسلسل.
بدلاً من أن يكون ضابط الأمن هو البطل الذي يلاحق المجرمين، يدفعنا السيناريو إلى التعاطف مع المطلوب الملاحق والمحاصر في حي يخضع لسلطة عشيرته، التي تستعد معه لمواجهة رجال الأمن بقوة السلاح، ولست أدري إن كان المطلوب في حال حدوث مواجهة أن نفرح عندما يتمكن جبل شيخ الجبل (تيم حسن) من قتل رجال الأمن.
ويسهب السيناريو في وضع «جبل» في قالب بطولي يقارب الأسطورة، فهو «روبن هود» الهيبة الذي يساعد الفقراء والمحتاجين ويردّ الضيم عن المظلومين. وهو القادر على الإفلات من ملاحقة أجهزة الأمن وزيارة حبيبته في بيروت عندما يشاء. والأخطر أنّ المسلسل يُظهر إمكانيات جبل شيخ الجبل المالية حيث يمكنه شراء شقة في منطقة مرموقة في العاصمة وتوضع في تصرفه في خزنة الشقة أموال طائلة وترسانة أسلحة، لا يهتز لها جفن عندما تصادرها الدولة، كأن هذه الخسارة تافهة جداً، فهو لا يأتي حتى على ذكرها في ما بعد.
فما هي الصورة التي يريد المسلسل إيصالها إلى الشباب؟ هل المطلوب إقناعهم أن هذا المسار يوصل إلى هذه الدرجة من الثراء والسلطة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر فيها البلد؟ ثم تأتي الوالدة، التي تأمر وتنهي وتهدد برفع الرضا والرحمة عن ولدها، فيلتزم بأوامرها. هذه الأم التي تأمرت على شقيق زوجها فأودعته السجن كي تستتب الزعامة لولدها الذي تلومه لأنه أنقذ ابن عمه ولم يقتله وتبدي استعداداً للقيام بذلك بنفسها، ثم تعود بعد ذلك لقراءة القرآن وإقامة الصلاة بكلّ خشوع!
والأنكى أنّ قناة «أم تي في» التي تبثّ المسلسل، تضع نفسها دائماً في موقع المدافع عن الدولة والرافض للدويلة، كما تقف في موقع المنتقد والمعارض للبيئة التي يفترض أن أحداث «الهيبة» تدور فيها، فعلى الرغم من العبارة التي تنفي في بداية المسلسل أي علاقة جغرافية أو شخصية مع الواقع، إلا أن هناك جهداً واضحاً يُبذل سواء عبر اللهجة أو الزي لإسقاط الأمر على البيئة البقاعية أو البعلبكية تحديداً، والقناة من أشد المنتقدين لهذه البيئة مع كلّ ما فيها من صور نمطية تتعلق بالخروج عن القانون والسطو وحمل السلاح واضطهاد المرأة وتعنيفها وحرمانها من إبداء الرأي.
إذا كان المطلوب هو تسليط الضوء على واقع قد يكون موجوداً في بعض المناطق بشكل أو بآخر من دون أن يرقى بطبيعة الحال إلى مستوى المسلسل، فيجب أن يكون الهدف هو لفت الأنظار إلى ضرورة محاربة هذه الحالات الشاذة والخارجة عن القانون لا تقريبها إلى قلب المشاهد وخلق شخصية «المجرم الظريف والوسيم». فعندما يصبح المهرب والقاتل وبائع المخدرات التي تفتك بالمجتمع والذي لا يتورع عن ترويع الناس عبر إطلاق النار بغزارة دون أي رادع، معتبراً أن أي عدو من أعدائه «ثمنه رصاصة»…. عندما تتحول شخصية من هذا النوع إلى محبوب الجماهير، أو عندما يتحول المجرم إلى بطل، يكون مسلسل «الهيبة» قد أضاع هيبة الدولة والمجتمع وأضاع هيبة الشهر الفضيل.