IMLebanon

“هوا أصفر”: جراح الحرب بين دمشق وبيروت

كتبت نادين كنعان في “الاخبار”:

 

بعد تجربتين لم يُكتب لهما النجاح في مسلسلَيْ «عناية مشدّدة» (2015 ــــ إخراج أحمد إبراهيم أحمد) و«أحمر» (2016 ــــ إخراج جود سعيد)، أصّر السوريان يامين الحجلي والزميل علي وجيه على المحاولة. هكذا، أنجزا نصّاً جديداً لعمل درامي يحمل اسم «هوا أصفر» صوّر بين لبنان وسوريا تحت إدارة المخرج السوري أحمد إبراهيم أحمد وإنتاج شركة «Cut». بعد إرجائه من العام الماضي، أبصر المسلسل النور في رمضان 2019 عبر «سما» و«الفضائية السورية» و«سوريا دراما» و«الجديد». يتناول العمل مواضيع مختلفة في منطقة يخيّم عليها هواء «أصفر» محمَّل بالاضطرابات والأمراض الاجتماعية التي تعدّ نتيجة صراعات وأزمات شهدتها بقعة جغرافية متمثلة هنا بدمشق وبيروت. هكذا، تختلط المسائل المطروحة بين الحب بحالاته المختلفة، والفساد والسلطة (من دون الغوص في التفاصيل)، والجريمة، والعنف، والكراهية، والانتهازية…

تشكّل أربع شخصيات المحور الرئيسي للأحداث بالتوازي بين العاصمتين اللبنانية والسورية: «كريم» (يوسف الخال)، و«شغف» (سلاف فواخرجي)، و«أمير» (يامن الحجلي)، و«سوار» (وائل شرف). لكلّ من هؤلاء قصته المختلفة التي قد تتقاطع خطوطها أحياناً وقد تكون منفصلة أيضاً. «كريم» ذو نفوذ وأموال لا تأكلها النيران، جعلته الحرب الأهلية اللبنانية التي ترعرع في ظلها وأفقدته والديه وحشاً كاسراً مستعدّاً لفعل أي شيء للحصول على مراده، متخطياً كل الخطوط الحمر ليتحوّل في النهاية إلى أخطبوط يبتلع كلّ شيء. جرائمه البشعة يصعب إحصاؤها، ويعمل في زراعة الكوكا التي يصنّع منها لاحقاً مادة الكوكايين المخدّرة قبل أن يهربها إلى الخارج بواسطة الأبقار. مجال عمل هذه الشخصية قائم على فرضية صعبة التصديق. فكيف يمكنه أن يزرع هذه النبتة الاستوائية (تنمو في أميركا الجنوبية، وخصوصاً في كولومبيا وبوليفيا والبيرو…) التي يستخدمها لـ«طبخ» مادة الكوكايين لإنتاج كميات تجارية وتصديرها، ولا سيّما أنّ العوامل المناخية التي تتطلبها غير متوافرة في بلادنا المتوسطية؟ أهو الرأي القائل إنّ أي شيء بات ممكناً اليوم في ظل توافر المال الكافي؟ أم أنّ تجارب مثل تلك التي خاضها الشاب حسن محمد في طرطوس بزراعة أصناف عدّة من الفاكهة الاستوائية (الأخبار 3/5/2019) هي التي دفعت في هذا الاتجاه؟
مشاعر «كريم» تجاه زوجة ابن عمه «شغف» تتخطى حدود العشق، فيُشعل النار في كل ما يبقيها بعيدة عنه في سبيل الحصول عليها ولو رغماً عنها. أما المرأة الجميلة التي تجسّدها فواخرجي، فهي مزيج من نساء عدّة. تحاول الدفاع عن حقّها وبلوغ مبتغاها ولو اضطرها الأمر إلى الدوس على طموحاتها ورغبتها، سواء لإرضاء الآخرين أو انصياعاً للظروف… منذ اللحظات الأولى، تشتعل نار الحب بينها وبين «سوار» الذي يقصد الكازينو الذي تديره لكسب المال الكافي لتخليص أخيه الوحيد «أمير» من حبل المشنقة. وحتى عرض الحلقة الحادية والعشرين، لم تعد المياه إلى مجاريها بين الحبيبَيْن بعدما قتل «كريم» زوج «شغف» المدعو «جلال» (فادي إبراهيم) وتزوّجها.

 

لكلّ شخصية ملامح مستقلة ودوافع متعلقة بتبعات الحرب
أما «أمير»، فنتابعه في رحلة صعوده من القاع عبر استغلال الظروف المحيطة به بمرافقة صديق طفولته وشريكه «شفيق» (يزن خليل).
لكلّ شخصية ملامح مستقلة ودوافع متعلقة بتبعات الحرب، نلاحظ تطوّرها مع تصاعد الأحداث وسط بيئات وطبقات اجتماعية مختلفة، وإن كانت الحكايات تتطلّب بعض «الشدشدة» لتكون أكثر إقناعاً أحياناً، ولا سيّما في شقّها اللبناني حيث تبدو الأمور أكثر تفلّتاً. تشعّب الخطوط وكثرة المواضيع المطروحة إلى درجة الحشو (التنظيم المدني في الشام، الإدمان على المخدرات، التجارة في الممنوعات، سرقة الآثار وتهريبها، فساد السلطة والأجهزة الأمنية، فساد الصحافيين، قضايا المرأة…) تقود إلى التشتت وحتى إلى الملل أحياناً، فيما تُخرج العمل عن إيقاعه. غير أنّ أنجح ما استطاع «هوا أصفر» فعله هو اجتياز المطبّ الأبرز الذي تقع فيه المسلسلات المشتركة: الخلطة المفتعلة بين شخصيات من جنسيات مختلفة من دون مبررات درامية، والحكايات البعيدة عن الواقع التي تدور رحاها في عالم خيالي من القصور الفارهة والأزياء الفخمة، ناهيك بالحوارات المجافية للحقيقة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الحوارات الدائرة بين الشخصيات (وخصوصاً السورية منها) ملتصقة بالواقع وأمينة له. كما لا بد من الإشادة بأداء يوسف الخال الذي يقدّم صورة مختلفة تماماً عن تلك التي اعتدنا رؤيته فيها في أعمال الـ«بان آراب»، بالإضافة إلى التجديد الواضح في طريقة عمل الحجلي عبر اشتغاله على كل تفاصيل «أمير»، وخروج وائل شرف بنجاح من عباءة «معتز» في سلسلة «باب الحارة»، إلى جانب الأداء المتمكّن للمخضرمَيْن تيسير إدريس (أبو الليل)، وعبد الهادي الصباغ (شوّال)، ونادين تحسين بيك (سلوى)، وحلا رجب (مهى)…
الواقع مختلف للأسف بالنسبة إلى الممثلين اللبنانيين في الأدوار الثانوية (جوي خوري مثلاً) التي أتت بعيدة عن أي ضبط من قبل المخرج. وبدا واضحاً الاستسهال في اختيار الكومبارس (لضرورات إنتاجية ربّما؟)، إذ تمت الاستعانة بسوريين للقيام بأدوار لبنانيين والعكس، لتكون النتيجة لكنة هجينة لا تمت إلى الواقع بصلة. الفشل في ضبط أداء الممثلين غير المحترفين ليس المشكلة الوحيدة هنا، فالصورة تفتقر إلى الجاذبية والجِدّة وكذلك الأمر بالنسبة إلى المشاهد الخارجية والداخلية وتقطيع الكادرات التي تذكّرنا بتكنيك إخراجي عفا عليه الزمن. ومشاهد الأكشن أكبر دليل على ما نقول، من دون أن ننسى طبعاً الموسيقى التصويرية (المستعملة بكثرة) التي لم يوفّق طاهر مامللي في إعدادها، وغالباً ما لا تتناسب مع الأجواء.