يتهيأ لبنان لمجموعة استحقاقاتٍ سياسية – ديبلوماسية بالغة الأهمية من شأنها تحديد اتجاهات الملفات الساخنة الاقليمية التي يُخْشى أن تُكَبِّدَ «بلادَ الأرز» أكلافاً باهظة في حال أفضتْ وضعيةُ «طنجرة الضغط» في المنطقة إلى انفجارٍ أو إلى… تسويات.
وفي ظلّ المفترق التاريخي الذي تقف المنطقة على مشارفه، بدا إقرار مشروع موازنة 2019 أمس وإحالته على البرلمان في مرتبةٍ ثانويةٍ أمام التحديات الكبرى التي يفرضها استقطاب الحدّ الأقصى على تخوم المواجهة الأميركية – الإيرانية والخليجية – الإيرانية والتي تتقاطع مع بدء العدّ التنازلي لتصبح «صفقة القرن» على الطاولة مع كل ما تثيره من هواجس متعدّدة البُعد.
ورغم أهمية مشروع موازنة 2019 الذي كان أمس محور الجلسة الـ20 لمجلس الوزراء التي انعقدت برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون وكانت «خاتمة المداولات»، وذلك لجهة كون الموازنة المدخل الرئيسي للحصول على «تأشيرة قبول» من الدول المانحة في مؤتمر «سيدر» بما يتيح الاستفادة من مخصصاته البالغة أكثر من 11 مليار دولار، فإنّ تَسارُع التطورات في المنطقة بدأ يفرض تبدُّلاً «قسرياً» في الأولويات اللبنانية في اتجاه ملاقاة محطاتٍ بارزة ستشكّل، في رأي أوساط سياسية مطلعة، اختباراً فعلياً لبيروت في مدى قدرتها من جهة على المواءمة بين مقتضيات التوافق الداخلي وبين ضرورات عدم الخروج عن الإجماع العربي بمواجهة الخطر والاعتداءات الإيرانية، ومن جهة أخرى على وضع استراتيجيةٍ لمواكبة مرحلة «صفقة القرن» تحفظ مصالح لبنان وخصوصياته من دون أن يظهر فيها وكأنه «صدى» لموقفٍ رسم معالمه فريق داخلي هو «رأس حربةٍ» لمحور «الممانعة» أو كأنه في «خط المواجهة» الأمامي من ضمن سياقٍ «صِدامي» مع الآخَرين.
وإذا كانت قمّتا مكة المكرمة العربية والإسلامية الخميس والجمعة، فرضتا إنهاء مناقشات الموازنة قبل أن يغادر رئيس الحكومة سعد الحريري بيروت غداً لترؤس وفد لبنان الى القمتين، فإن الأنظار ستكون شاخصةً على كيفية «حياكة» الموقف بإزاء العنوان الإيراني خصوصاً والذي لا يمكن فصْل «حزب الله» عنه كونه «الذراع الأبرز» لطهران في المنطقة، وسط مخاوف من أن تؤدي أي مساراتٍ انفجارية لـ«اللغم» الإيراني إلى إلحاق لبنان، عبر الحزب، بـ«خط النار»، أو أن تسْتدرج أي مسارات تبريدية صفقاتٍ يُخشى أن تكون بيروت «الحلقة الأضعف» فيها ما لم تُبْقِ على «شبكة الأمان» التي تشكّلها المظلة العربية والدولية لـ«بلاد الأرز».
وفي موازاة انشدادِ الأنظار إلى قمتيْ مكّة، فإنّ الاهتمام لا يقلّ بمؤتمر المنامة الذي ينظم في 24 و25 يونيو المقبل ويُراد له أن يشكّل أرضية اقتصادية تلاقي أي حلّ للصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، رغم أن لبنان لم يتلقّ بعد دعوة لحضوره، في ظلّ توقُّف الاوساط المطلعة عند «إطلاق النار» المبكّر الذي اعتمده الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله على المؤتمر في إطلالته الأخيرة والذي سيتوّجه يوم الجمعة لمناسبة «يوم القدس» والذي بدا معه وكأنه رَسَمَ سقفاً مسبقاً للموقف الرسمي اللبناني، وسط رصْدٍ أيضاً لـ«جرعة التصعيد» التي سيعتمدها نصرالله في ما خص عملية «ليّ الأرذع» على تخوم المواجهة مع إيران.
وإذا كانت استعادة نصرالله عنوان توطين اللاجئين الفلسطينيين والدعوة الى ما يشبه «الجبهة اللبنانية – الفلسطينية» لمواجهته اعتُبرت من الأوساط نفسها في سياق تهيئة أدوات جديدة لـ«خط تماس» إضافي على «الجبهة الأصلية» المتصلة بالمعركة التي تخوضها إيران في المنطقة، فإن الأوساط عيْنها لم تعد تفصل الإيجابيات في ما خص النزاع الحدودي البري والبحري بين لبنان واسرائيل عن مسار «صفقة القرن» بمعنى محاولة واشنطن مدّ خطوط تفاهماتٍ تحيّد «جبهات الرفض» وتسْحب الذرائع من أمام احتفاظ «حزب الله» بسلاحه، وتحوّل الاتفاق الحدودي المحتمل قوّةَ دفْع لإطلاق الحوار حول استراتيجيةٍ وطنية للدفاع تحْصر السلاح بيد الدولة، في حين «يربط» حزب الله عبر «ورقة» التفاوض الحدودي (بوساطةٍ أميركيةٍ) مع مساراتٍ مفتوحةٍ متعددة الاتجاه.
وكان لافتاً عشية عودة مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد الى بيروت اليوم حاملاً الردّ الاسرائيلي على ملاحظات لبنان في شأن ملف ترسيم الحدود البحرية، ابداء تل ابيب استعدادها لإجراء محادثات مع لبنان بوساطة أميركية لحل النزاع الذي يؤثر على عمليات التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط.
وأعلن مكتب وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز في بيان بعد لقائه ساترفيلد، إن مثل تلك المحادثات يمكن أن تحقق «مصالح البلدين في تطوير احتياطات الغاز الطبيعي والنفط» من خلال الاتفاق على الحدود.