وفي الاجتماع العشرين لمجلس الوزراء انتقل مشروع موازنة لبنان التي طال انتظارها إلى المجلس النيابي، لدراستها وإصدارها بقانون، كي يتم الإنفاق على أساسها لنصف السنة الثاني، بعدما تقرر تمديد الإنفاق على ارقام موازنة 2018 لشهر إضافي هو حزيران (يونيو) المقبل بقانون من البرلمان أحيل مشروعه أمس أيضا.
وعلمت “الحياة” أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي انعقدت الجلسة برئاسته بادر الوزراء إلى القول “اشتقنالكم بعد غياب شهر” (كانت الموازنة تدرس خلال 19 جلسة برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري)، ودعا الى مقاربتها من منظار اقتصادي وليس سياسي.
وطلب الحريري من وزير المال علي حسن خليل أن يقدّم عرضاً بما آل اليه مشروع الموازنة، فاعتبر الأخير أن الأساس في مناقشة موازنة 2020 هو ما توصلت إليه الموازنة الحالية، وأن فذلكتها تشير إلى ذلك.
وقال مصدر وزاري لـ”الحياة” إن خليل شدد على وجوب ذهاب الحكومة بعد نقاشات جدية ومطولة قدم خلالها جميع الوزراء اقتراحات فأدخلت تعديلات على المشروع، بموقف موحد إلى البرلمان، موضحا أن النفقات باتت 23 ألف و340 بليون ليرة وأن الواردات صارت 19 ألف و16 بليون ليرة، وبات العجز 7.59 في المئة من الناتج المحلي، إثر إضافة 2500 بليون ليرة هي عجز قطاع الكهرباء، بعد أن كان 8.7 في المئة عند عرض المشروع.
وأشار خليل حسب قول المصدر الوزاري لـ”الحياة” إلى أن قطع الحساب مع السنة المالية السابقة الذي سيثار في المجلس النيابي أرسل إلى ديوان المحاسبة، آملا أن ينهيها لإرسالها إلى البرلمان كي تتم مناقشته بالتزامن مع بحث الموازنة.
وذكرت مصادر وزارية ل”الحياة” أن النقاش الذي أعقب عرض الوزير خليل تشعب فاعتبر وزير الخارجية جبران باسيل أنه على رغم أن الطموح كان أكثر من المشروع المعروض فإن جهدا غير مسبوق قد بذل في المناقشات، مشيرا إلى إبلاغ وزير الاتصالات مجلس الوزراء في آخر جلسة مفاجأة خفض إيراداتها زهاء 150 بليون ليرة. وقال أن بعض الوزراء التزم خفض نفقات وزارته والبعض الآخر لم يفعل. ورأى أن المداخيل من الجمارك يجب أن تكون أعلى ووزير الدفاع (الياس بو صعب) من كتلتنا ويجب أن نتشدد في منع التهريب من المعابر غير الشرعية. وأشار إلى أن التوفير من طريقة تطبيق التدبير الرقم 3 (آثار استنفار القوات المسلحة على الإنفاق) تُرك للمعالجة برئاسة رئيس الجمهورية. وأمل ألا يتم التعديل في الأرقام في البرلمان.
وتبعه نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني معتبرا أنه حصل إنجاز جيد استغرق وقتا طويلا لم يعد يجوز أن يستمر مع ضرورة التوجه إلى البرلمان لإقرار الموازنة، وأعرب عن خشيته من ألا يرتفع الناتج المحلي بقدر الآمال حتى تبقى نسبة العجز منخفضة. وكرر حاصباني التحفظات التي كان وزراء حزب “القوات اللبنانية” أثاروها في الجلسة الأخيرة، عن ضرورة رفع مداخيل وزارة الاتصالات، داعيا إلى خصخصته معتبرا أن في الإمكان زيادة تحويلات المرافئ ولا سيما مرفأ بيروت لصالح الخزينة والذي اقترح أيضا خصخصته، والتشدد في جباية الغرامات على مخالفات الأملاك البحرية، داعيا إلى قرارات من الحكومة بضبط المعابر غير الشرعية من الجيش والطلب من شركات التدقيق بفواتير الاستيراد من المنشأ (لوقف التلاعب بالرسوم الجمركية) وضرورة تكليف شركات خاصة الكشف عبر السكانر على الحاويات التي يتم التلاعب بمحتوياتها لخفض رسومها.
كما انتقد حاصباني تخصيص اعتمادات لصندوق المهجرين في اللحظة الأخيرة، قبل وجود دراسة حول كيفية إنفاقها، وطالب بالبت في مصير عدد من المؤسسات العامة وتشركتها مع القطاع الخاص.
وتمنى حاصباني على وزارة المال أن تضع جردة كاملة بكافة المتوجبات المالية على الخزينة والتي لا تذكر في الموازنة.
أما وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان فتطرق إلى الموازنة من زاوية دورها في تقليص الفوارق بين اللبنايين، منطلقا مما تقدمه وزارته من مساعدات ل240 ألف لبناني من الأكثر فقرا معظمها من المساعدات الأوروبية، متمنيا إعادة ال3 بلايين ليرة التي حسمت من موازنة وزارته، مشيرا إلى 50 ألف لديهم بطاقة تغذية، بينما هناك 104 آلاف معوق، و350 ألف مواطن يستفيدون من دعم الخدمة الصحية، وسط صعوبة تأمينها من المستشفيات الحكومية.
وأوضحت المصادر الوزارية ل”الحياة” أن قيومجيان نبه إلى أن جمعيات تهتم بالمعوقين تتجه للإقفال لعدم القدرة على تقديم المساعدات لها.كما كرر ما طالب به حاصباني من خطة لإقفال ملف المهجرين والوزارة بعد تخصيص ال40 بليون ليرة لها، تطبيقا لمبدأ الشفافية.
لكن وزير المهجرين غسان عطا الله أكد أن وزارته وضعت خطة لإقفال ملف المهجرين من دون استنسابية، وكلفتها أقل من السابق ب60 في المئة، من أجل إقفال الوزارة. وانتقد الاعتراض على تخصيص مبلغ للملف في وقت طرحت مبالغ لوزارات أخرى لم يطلب أحد تفاصيلها رافضا حسم نسبة من موازنة وزارته، داعيا إلى مقاربة مهمتها من زاوية إنسانية. ولفت إلى أن عودة مت تبقى من مهجرين إلى قراهم لإعمار أبنيتها، يساهم في الدورة الاقتصادية، وإلى أنه مستعد لعرض خطته
وأشارت المصادر الوزارية إلى أن وزير الشباب والرياضة محمد فنيش(حزب الله) لاحظ أنها المرة الأولى التي يجري فيها نقاش حول الموازنة بهذه الطريقة داعيا إلى عدم التقليل من النتيجة الإيجابية التي توصلنا إليها. وطالب بالانضباط في تطبيق الموازنة وبموقف موحد لانعكاس ذلك على الأسواق المالية. ومع إشارته إلى أنه كان يتمنى أن تتم دراسة أفضل لبند الزيادة 2 في المئة على البضائع المستوردة وملاحظاته حوب نقاط أخرى، أكد التزام حزبه بالموازنة. وعن الإيرادات من وزارة الاتصالات اعتبر أن هناك إمكانية زيادة حصة الخزينة من هذا القطاع بدل خفضها. ودعا إلى إعادة هيكلة الإدارة وتحديد الوصيف الوظيفي.
ورد وزير الاتصالات محمد شقير على الملاحظات حول انخفاض مداخيل وزارته بالقول إن الدخل من هذا القطاع تراجع في كل دول العالم، لأن الناس تجري اتصالاتها الدولية عبر خدمة “واتسأب”. وأشار إلى أن الخيار هو بين قطع الواتسأب، وبين وضع رسم ألف ليرة على هذه الخدمة، وإلى أن الوزارة حافظت على مدخول 1754 مليار ليرة على رغم تقلص إيرادات القطاع.
وأبدى وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس استعداد وزارته لزيادة الغرامات على الأملاك البحرية، متمنيا لو يرفع وزراء “القوات اللبنانية” تحفظهم في هذا الموضوع. وقال أن الخزينة تحصل على أكثر من 50 في المئة من عائدات مرفأ بيروت.
وشرحوزير الاقتصاد منصور بطيش أنه اقترح استخدام جزء من مدخول رسم ال2 في المئة على البضائع المستوردة في دعم القطاعات الإنتاجية في موازنة العام المقبل. ودعا إلى وضع خطة للنقل العام. كما دعا للإفادة من أملاك الدولة لتوفير الإيجارات التي تدفعها الخزينة، وإلى إصلاح النظام الضريبي.
وتدخل الرئيس عون قائلا إن هذه الموازنة كان يمكن أن تكون أفضل، مشيرا إلى خفض رواتب النواب، بعد أن جرى خفض تعويضات النواب السابقين، داعيا إلى مناقشة خفض رواتب النواب والرؤساء ، إذ لا يمكن أن نخفض موازنة الشؤون الاجتماعية من دون أن يسري ذلك علينا نحن.
وجرى نقاش بين الوزير بوصعب و وبين الحضور حول ماورد في الموازنة في شأن تأخير سن التفاعد لكبار ضباط الجيش، مشيرا إلىى تأثير ذلك على الهرمية في الجيش، لصعوبة ترقية من يليهم من الضباط. وشارك في النقاش الرئيس عون، الذي أنهاه بالقول إن المجلس الأعلى للدفاع سيدرس الأمر.
وختمت الجلسة على التأكيد من الوزير خليل والرئيسين عون والحريري على أهمية احتفاظ الحكومة بموقف موحد خلال جلسات البرلمان لمناقشة الموازنة.
وبعد الجلسة، قال الوزير خليل مناقشة المزازنة بهذا الشكل أمر غير مسبوق في مناقشة الموازنات ومقاربة كل الملف الاقتصادي والمالي، استجابة للتحديات الكبيرة التي يعاني منها البلد على صعيد المال، والاقتصاد، والمؤسسات. وجاءت هذه الموازنة ونقاشها في ظرف اقتصادي ومالي ضاغط جداً، بعدما مررنا في العام 2018 بظروف استثنائية، من تأخير تشكيل الحكومة بعد اجراء الانتخابات النيابية، وضغوطات مختلفة، وأزمات المنطقة وفي سياق مالي متضخم.
واضاف: “ان نسبة 35 % من الموازنة تذهب الى الرواتب والمخصصات ومعاشات التقاعد، و35 % خدمة دين عام، و11% عجز كهرباء، وما يقارب 9 % انفاق استثماري، والباقي نفقات تشغيلية للدولة. من هنا كان التركيز على معالجة كل النقاط الاساسية في هذه الموازنة. تم بحث موضوع خدمة الدين العام، واعادة النظر في مخصصات اضافية وتعويضات غير مبررة.
ووصف النتائج بأنها تحول استثنائي مهم جداً
وأوضح أننا بنينا هذا الامر على نسبة نمو محدودة تبلغ 1.2 % للناتج المحلي، ليصل الى ما يقارب 90 الف مليار ( 89935 مليار). وبالتالي انا اتوقع، ان اي عنصر ايجابي يطرأ على الوضع العام، يمكن ان يساهم في الحفاظ على هذا الرقم، أو يحسنه. وفي الوقت نفسه، نحن نرسل رسالة واضحة الى المجتمع الدولي، وكل الصناديق الملتزمة بالوقوف الى جانب لبنان، بأننا جديون في هذا المجال وبالتالي سيترجم هذا الامر بضخ واطلاق مشاريع استثمارية جديدة سيكون لها اثر كبير على تحريك عجلة الاقتصاد.
وقال إن الموازنة أقرت من دون أي اعتراض عليها.