تطبّع المواطن اللبناني مع فكرة كونه “كبش المحرقة” الأول (وربما الوحيد) للأخطاء- التي يرقى بعضها إلى مرتبة الخطايا- التي يرتكبها القيمون على الحكم والحكومة في بلاد الأرز التي نحن فيها. ففي وطن يعتبر إقرار موازنة عامة إنجازا، ما عاد مستغربا استسهال مد اليد إلى جيب المواطنين والمساس بمكتسباتهم.. من دون التفكير ولو للحظة في عواقب هذه الخيارات “المميتة” في حق الناس، كرمى لموازنة أريد لها أن تكون تقشفية… على حساب الناس فقط. على أي حال، فإن سياسة مد اليد “الرسمية” إلى الجيوب ليست السبب الوحيد لمعاناة الناس مع دولتهم اللبنانية، بل تضاف إليها المعاناة المتأتية من تنقلات المسؤولين بين المقار الرسمية، مع كل ما يعنيه ذلك من قطع للطرقات وإذلال موصوف لأناس يتنقلون، هم أيضا، إلى مراكز عملهم، بهدف تأمين لقمة عيشهم سعيا إلى حياة كريمة تعجز الدولة حتى اللحظة على الأقل عن تأمينها لبعضهم.
لساعات طويلة يدفع الناس من أعمارهم وأرزاقهم وتعبهم ضريبة “الحماية الأمنية” المفترض تأمينها لكبار قادة سفينة هذا الوطن و… ضيوفهم الذين يزورون لبنان لأيام أو ربما ساعات معدودة، ويكررون، أو على الأقل غالبيتهم، أسطوانة مواقف معروفة حفظها الناس عن ظهر قلب، ولم تغير في حياتهم أي تفصيل نحو الأفضل. فنرى الطرقات تقفل، علما أن بعضها يعد شرايين أساسية للعاصمة وحياتها الاقتصادية التي تناضل القوى العاملة كل يوم لمدها بمقومات الاستمرار.
في الدول التي تحترم نفسها وشعبها، تحرص السلطات على احترام الناس وحرية حركتهم وتنقلاتهم وأموالهم التي لا تصرف إلا في الأمكنة المناسبة والمعروفة لتعود بالنفع على المكلفين الذين يدفعون ضرائبهم ويقومون بواجباتهم تجاه الدولة على أكمل وجه. أما في لبنان، فالحياة ليست “زهرية” إلى هذا الحد من فرط المصائب والمشكلات التي تطبع يومياتنا… إلى حد أن “طموحنا” بات يقتصر على أن تبادر الدولة إلى احترامنا وصون أمننا وكرامتنا. وفي انتظار تحقيق طموحنا هذا الذي لا شيء يشي بأنه سيرى النور في القريب العاجل، نكتفي بضرب مثل زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى اليابان أخيرا، والتي حرصت فيها الامبراطورية الراقية على صون حقوق اليابانيين وعدم … التسبب بإزعاجهم وإعاقة حركة تنقلاتهم وأعمالهم.
وفي السياق، افادت معلومات خاصة “المركزية” أن ترامب (الذي يقوم بواحدة من 3 زيارات دولة تستضيفها اليابان سنويا لعدم تكبيد موازنتها كثيرا من النفقات لصالح رؤساء الدول الذين يزورون طوكيو) لم يمكث في قصر امبراطور اليابان الذي بلغ منصبه حديثا، بعد رفض السلطات اليابانية إعطاء الفريق الأمني الخاص بالرئيس الأميركي الإذن باستكشاف المكان واستطلاعه أمنيا، باعتبار أن في ذلك إهانة للامبراطور وأمنه.
وللسبب نفسه، لم يُقم الرئيس الأميركي في قصر الامبراطور المخصص لكبار الزوار، وهو محاذ لمقر إقامة امبراطور الدولة المشهود لها عالميا بالاحترام “المقدس” للإنسان وحقوقه ورفاهيته وراحته. غير أن الأهم يكمن في أن ترامب لم ير ضيرا في المكوث في فندق شأنه في ذلك شأن الزوار أو السياح العاديين. حتى إن السلطات اليابانية حرصت على اختيار فندق لا تؤثر الاجراءات الأمنية والاقامة “الرئاسية” فيه على حركة الناس، فلم يرس الخيار على فندق Emperial hotel الواقع في قلب العاصمة اليابانية، الشريان الاقتصادي الأهم، بل وقع على فندق Palace، في الضواحي لعدم التأثير على الحياة اليومية للمواطنين.
أما العبرة التي من المفترض أن يستخلصها القيمون على زمام الحكم الرشيد في بلادنا من هذه الحكاية فهي الآتية: ليس بالسوشي وحده تحيا اليابان بل بقليل من احترام الانسان وحقوقه وكرامته. فلا تكتفوا باستيراد السوشي. بعض من الإنسانية “اليابانية” لا يضر أحدا…