كتب د. إقبال شرف الدين في صحيفة “اللواء”:
تُعدُّ صناديق التعاضد من أهم شبكات الحماية الاجتماعية، لكونها تتوجّه الى فئات متجانسة من الأشخاص، الذين يُمارسون مهناً متشابهة، وتؤمّن لهم مختلف الخدمات الصحية والاجتماعية، ولاسيما ما يتعلق منها بالمرض وطوارئ العمل.
ولصناديق التعاضد أهداف تخضع لشرطين أساسيين:
– الأول: يتعلق بالقوة الاقتصادية لهذه الصناديق التي ترتبط بدورها بالمستوى الاقتصادي للمساهمين وطبيعة المهن التي يشغلونها.
والثاني: يرتبط بأولوية الحاجات.
وعليه بالتطرّق الى صندوق تعاضد أساتذة الجامعة اللبنانية، والذي لم يكن ليحصل لولا تضافر مجموعة من العوامل يأتي في مقدمتها تشكيل رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، والتي تعتبر فئة نقابية تطالب بحقوق الأساتذة، وتشكل كتلة فاعلة يزيد عددها على اربعة آلاف منتسب، ويدعمها الجسم الطلابي الذي يفوق عدده ستين ألف طالب وطالبة، إضافة الى العدوى التي طالت الأساتذة من جرّاء إنشاء صندوق تعاضد للقضاة، وما رافق ذلك من انخفاض القيمة الشرائية لراتب الأستاذ الجامعي.
وقد أتت هذه في ظل أوضاع سياسية مؤاتية للأساتذة تمثلت بموقف الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي كان مُصرّاً على إعطاء امتيازات للأساتذة في الجامعة اللبنانية والقضاة، لكونهما من الفئات المهنية ذات الخصوصية المتميزة والمسؤولة عن بناء الفرد على اسس وطنية سليمة.
يُعتبر صندوق التعاضد إنجازاً مهماً في تاريخ الجامعة والأساتذة مع ما مر به من صعوبات وعقبات واتصالات متعددة. وكانت لتأسيسه دوافع عدّة أهمها تدني مستوى الرواتب في أواخر ثمانينات القرن الماضي، مكانة الأستاذ الجامعي، وتدنّي مستوى تقديمات تعاونية موظفي الدولة في حينها.
وهكذا فإن إنشاء الصندوق أعطى للأساتذة مكتسبات عدّة كتحسين القدرة الشرائية، التخلّص من الروتين الاداري وتأخير البت بالمعاملات، تحقيق المساواة بين الأساتذة، تعزيز ثقة الفرد في الانتماء والتضامن مع الفئة المهنية التي ينتمي اليها، اضافة إلى ادارة الصندوق من قبل الأساتذة أنفسهم، وتالياً فهم الأكثر معرفة بمصائر أمورهم وحاجاتهم خصوصاً في ما يتعلق بموازنة الصندوق السنوية والتي تتطور وفاقاً للحاجات والتقلبات الاقتصادية.
إن صندوق التعاضد وُلِدَ من رحم المعاناة التي مر بها الأساتذة على مدى عقود، ومن رحم حركة نقابية كانت متضامنة حول هدف محدد، اضافة إلى الظروف التي ساعدتها سياسياً وتقنياً. فعلى المستوى السياسي حظيت بغطاء، والمستوى الثاني تمثّل بالعدوى والتماثل مع القضاة الذين سبقوا الأساتذة بأكثر من عقد من الزمن على انشاء صندوق خاص بهم وفوق كل ذلك الصبر والاناة من قبل اللجنة والدعم الكامل من الجمعيات العمومية والطلاب.
إنّ انحلال أو إلغاء صندوق تعاضد الاساتذة يؤدي إلى احباط كل مكونات الجامعة الوطنية، وإلى تشوّش الكيان الأكاديمي، وفقدان الأستاذ الجامعي الشعور بالأمان الوظيفي وان على المستوى المعنوي، فالصندوق يشكل قفزة نوعية على مستوى تحسين وضع الأساتذة معنوياً ومادياً، ويؤمن الحماية الاجتماعية كونه يُعتبر مؤسسة خاصة بهم مسؤولة عن مختلف النواحي التي يتعرّضون لها.
في النهاية مع إضافة القول… بحسرة… تمَّ المساس في لبنان بكافة الموارد الطبيعية، غرائب عجائب نراها بمجرد السير في شارع من شوارع لبنان، بقي الانسان المورد البشري الوحيد المأمول به أن يعيد استنهاض ما حطمته الارادات الواهية، وليس من مؤسسة حامية كالجامعة الوطنية لثروة الموارد البشرية والعقل المجتمعي.