كتبت راجانا حمية في صحيفة “الأخبار”:
أثار مشروع القانون الذي صاغته «الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية»، والمتعلق بمنح الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي جنسيتها لأولادها، زوبعة بين أصحاب حق يخافون تجزئته، وبين حاملي لواء عدم الاخلال بالتوازن الديموغرافي. بالنسبة الى رئيسة الهيئة كلودين عون روكز، المشروع c’est un acte courageux، وأهم ما فيه ثابتة أنه لا يستثني أحداً على أساس جنسيته ولا يحرم أحداً من جنسية أمه.
مشروع القانون الذي تقدمت به الهيئة الوطنية لشؤون المرأة لتعديل قانون الجنسية لجهة منح الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي الجنسية لأولادها منه، لم يصل إلى المجلس النيابي. لا يزال، اليوم، في عهدة رئيس الحكومة سعد الحريري، ولم يحز «الضوء الأخضر» بعد لفتح نقاشات حوله. لكنه، في فترة قياسية، خلق جدلاً واسعاً وأعاد إثارة مخاوف كامنة انقسمت على أساس خلفيات متناقضة: من جهة، ثمة «أصحاب قضية» خائفون من تجزئة الحق دفعات خلافاً لما تنص عليه المادة التاسعة من الدستور (المساواة الكاملة بين المرأة والرجل)؛ ومن جهة أخرى، هناك أصحاب «فزاعة التوطين» والإخلال بالتوازن الديموغرافي. هكذا كانا خطين متوازيين لا يلتقيان، وبينهما المقترح.
عندما قدمت الهيئة مشروع القانون إلى الحريري، لم يكن في البال أن تهب العاصفة خلفها. مع ذلك، «حسبنا الحساب»، تقول رئيسة الهيئة كلودين عون روكز لـ«الأخبار». تقرّ بأن لا مثالية في الأعمال، «فكل عملٍ دونه من سيعتبرونه ظلماً». وفي حالة المقترح (الذي تمنح بموجبه الأم، تلقائياً، الجنسية لابنها القاصر، فيما يمنح الراشد غرين كارد، على أن يتقدم للجنسية بعد خمس سنوات)، هناك «هامش من دفع أحد ما الثمن في مكان ما. فلكل شيء أثر، كما الأثر البيئي.
يعني لما بدك تشقي طريق بدك تحسبي حساب تشيلي شجر مثلاً، متل لما بدك تحطي التوتر العالي أمام بيت بس انت عم تضوي 400 بيت بالمقابل». لا شيء من دون مقابل، تماماً كما هي قصة المقترح الذي تقدمت به الهيئة، إذ أن المطلوب منه أولاً هو «محاولة سكب الماء في كأس فارغٍ أصلاً، في طريق تغيير ثقافة عامة سائدة في المجتمع هي في الأصل تميّز بين امرأة ورجل»، وفي جزء آخر «نسف الربط الذي يتعمّده البعض بين منح الأم اللبنانية المتزوجة بأجنبي لأبنائها المولودين حقاً بديهياً وبين موضوع التوطين ومراسيم التجنيس التي لا ربط بينها». وفي هذا السياق، c’est un acte courageux (فعل شجاع).
تؤكد عون روكز أن لا خلاف على أن المطلب «حق لا يمكن تجزئته ولا المساومة عليه». ولكن الأولى اليوم أن «يدخل مشروع القانون إلى مجلس النواب ويفتح نقاش حوله، على أن نكمل النضال في الداخل». وهي تعوّل على سلوك هذه الطريق التي لا مناص منها، مستندة إلى تجارب سابقة «فشلت في الدخول إلى المجلس النيابي، والدليل أن أياً من مشاريع القوانين المقدمة سابقاً لم تناقش»، ومنها تجارب للهيئة الوطنية نفسها «دخلناها بسقف عالٍ وجوبهت بالرفض».
هذا هو الهدف بالنسبة للهيئة الوطنية، ولكنه ليس بالضرورة أن يكون «ملهماً» لغيرها، بل هو أساس الخلاف مع أصحاب الحملات المطالبة بالجنسبة كحق مطلق وثابت. إذ يأخذ هؤلاء على عون «التنازل» عن الحق حتى قبل التفاوض حوله في المجلس التشريعي. وهو ما ترفضه رئيسة الهيئة، انطلاقاً من الإخفاقات الكثيرة. «أما إذا كان المطلوب تسويق الشعارات وتنظيم الدعايات، فليس من الصعب تنظيم حملة إعلانية بأقل الأكلاف الممكنة من دون الوصول إلى هدف، وهو ما لا يتطابق مع وظيفة الهيئة التي هي هيئة حكومية تمثل كل شرائح المجتمع اللبناني، ومطالبة بالنهاية بتحقيق أهداف منصوص عليها في الإستراتيجية الوطنية للمرأة في لبنان».
تنطلق عون من «ثابتة» أن المقترح «لا يستثني أحداً على أساس جنسيته ولا يحرم أحداً من جنسية أمه. الفارق يكمن فقط في الوقت، إذ أن القاصر يحصل على الجنسية تلقائياً، فيما الراشد سينتظر 5 سنوات كي يأخذها، يعني بدو يتحرقص شوي». ثمة ناحية أخرى توليها عون أهمية في هذا الإطار وهي أن «عامل» السنوات الخمس، قبل منح الجنسية للراشد، «لا يخصّ لبنان وحده، فكل البلدان تضع شروطاً لها علاقة في الغالب بأمن الدولة، من دون المساس بمبدأ الحق بالأصل». وتأسف «أننا على أبواب مئوية لبنان الكبير، ولم ننجز حتى اليوم حقاً بديهياً»!
مع ذلك، ليس الحق البديهي المعلّق الذي يحرم بموجبه لبنانيون – منذ لبنان الكبير – من ممارسة حياتهم كغيرهم من المواطنين، هو أقصى حدود التمييز في حق المرأة. فهناك قوانين وتشريعات معمول بها منذ عشرات السنين تضع المرأة في مرتبة أدنى من الرجل. والأمثلة كثيرة، منها قانون العمل الذي لم يعدّل منذ 40 عاماً وقانون العقوبات وقانون الضمان الاجتماعي وغيرها من القوانين المصاغة منذ زمن طويل.
لا رابط بين منح الأم اللبنانية أبناءها حقاً بديهياً وبين التوطين ومراسيم التجنيس
وهذه أجزاء لا تتجزأ من عمل الهيئة التي تعمل، وفق الإستراتيجية الوطنية العشرية (2011 – 2021)، لإلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة. من هنا، واستكمالاً للعمل في «معركة» منح الجنسية لأولاد الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي، ثمة معارك لا تقل أهمية لها علاقة بالتشريعات من جهة وبالممارسة العملية من جهة أخرى. ولئن كان يتم إحداث خروقات في بعض الأماكن، إلا أنها «تبقى انجازات في إطار تقدم بطيء». مع ذلك، لا مناص من التجريب الدائم والنضال. من هنا، تشير عون إلى بعض الإنجازات التي قامت بها الهيئة لتعزيز المساواة بين المرأة والرجل، منطلقة من آخر «الإنجازات»، وهي «وجود 4 نساء في الحكومة، وكان هذا مطلب الهيئة من رئيس الحكومة». يعني “it’s a progress”. من جهة أخرى، استطاعت الهيئة تعديل جملة من البنود في بعض القوانين منها، مثلاً، «في قانون البلديات، حيث بات بإمكان المرأة أن تترشح في مسقط رأسها الأساسي، وقانون الضمان الاجتماعي حيث تقدمنا باقتراح قانون يسمح للمرأة العاملة بأن تضمن زوجها على اسمها وهو يدرس في اللجان اليوم والتعديلات على قانون العمل». وثمة مقترحات قوانين جديدة، منها «مقترح قانون منع تزويج القاصرات، حيث باتت هناك صيغة موحدة مستقاة من 3 مشاريع قوانين تدرس اليوم ضمن لجنة فرعية في المجلس النيابي ومشروع التعديلات على قانون حماية النساء من العنف الأسري، إضافة الى تحضير مشروع قانون يجرم التحرش الجنسي لا يزال قيد الدرس». إلى ذلك، هناك “lobbying” لتضمين قانون الإنتخابات «مسألة الكوتا النسائية، بحيث يصبح وجود المرأة في الحياة السياسية محسوماً». في الجزء الأخير من «النضال»، تبدو الطريق طويلة، خصوصاً إذا ما أخذنا في الإعتبار أن لبنان «يأتي في المرتبة 142 من أصل 144 دولة حول العالم لجهة مشاركة النساء في القرار السياسي فيه».
ثمة هدف أبعد، وهو الأساس: انتفاء الحاجة للهيئة الوطنية لشؤون المرأة. فعندما تنتفي تلك الحاجة «عندها يمكن القول إن الأمور باتت بخير وإن المساواة تحققت»، تختم عون.