IMLebanon

فتح ملف ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل: لماذا الآن؟!

الحركة المكوكية التي يقوم بها مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفيلد بين لبنان وإسرائيل مثيرة للاهتمام، والأجواء والمؤشرات الإيجابية التي تدور في ظلها هذه الحركة مثيرة للاهتمام أكثر وتطرح تساؤلات ملحة بشأن الأسباب والعوامل التي دفعت باتجاه فتح هذا الملف الشائك والمعقد الآن، وعلى نحو إيجابي ومشجع، والتي دفعت الولايات المتحدة الى إبداء هذا الاهتمام الزائد ورعاية الملف والدفع به الى الأمام، والتي دفعت إسرائيل الى إظهار مرونة وإعطاء تسهيلات، بما في ذلك عدم التمسك بـ «خط هوف»، والتي دفعت أيضا حزب الله الى إعطاء موافقة على فتح هذا الملف الذي يعنيه كثيرا ويتعلق بدوره وقضيته ومستقبله.

قبل فترة عاد ساترفيلد من إسرائيل بمعطى جديد رأى فيه الجانب اللبناني تقدما، مع موافقتها على مفاوضات غير مباشرة في الناقورة برعاية الأمم المتحدة وبمواكبة ووساطة أميركية. واول من امس عاد ساترفيلد من زيارته الثانية الى إسرائيل في غضون أسبوعين بمعطى آخر إيجابي يتعلق بموافقة إسرائيل على التلازم بين البر والبحر في ترسيم الحدود، وتبقى نقاط قيد البحث تتعلق مثلا بالمدة الزمنية للمفاوضات، إذ يصر لبنان على أن تكون مفتوحة، فيما تريد إسرائيل أن تكون محددة بستة أشهر، وبالمطالب اللبنانية بأن تكون الولايات المتحدة هي الضامنة للمفاوضات، وبأن تتعهد إسرائيل باستكمال المفاوضات حتى الوصول الى نتيجة. يمكن اختصار الأسباب والعوامل المسببة في فتح ملف ترسيم الحدود والدافعة به الى الأمام في النقاط التالية:

1 ـ ما تغير أولا أن واشنطن باتت، وخلافا لما كان عليه موقفها في السنوات الماضية، مهتمة ومستعجلة لبت هذا الملف في إطار تحضير الأرضية الإقليمية المناسبة لإعلان «صفقة القرن»، وهي ترغب في تهدئة الأوضاع بشكل كامل بين إسرائيل ولبنان، وسحب أي ملف خلافي يمكن أن يشكل ذريعة بيد أي جهة لضرب هذه الصفقة أو التسوية المرتقبة. وتعتبر واشنطن أن الحدود اللبنانية الإسرائيلية نقطة توتر يجب احتواؤها بالتفاوض وكسب الوقت، خصوصا بعد التطورات المتصاعدة على جبهة إيران والخليج التي يمكن أن تؤثر على الملف اللبناني من جهة الحدود، فكان القرار الأميركي بتهدئة الوضع ومنع تحويل لبنان «منصة إيرانية» وإحدى ساحات المواجهة أو تبادل الرسائل.

2 ـ إسرائيل من جهتها، مهتمة بفتح مسار مفاوضات مع لبنان وإقفال ملف النزاع الحدودي البحري خصوصا لمصلحتها الاقتصادية أولا، وحتى تبدأ عملية استخراج وبيع الغاز والنفط في ظل بيئة حدودية أمنية آمنة، إضافة الى ما يؤدي إليه ترسيم الحدود وإقفال هذا الملف من تكريس لواقع الهدوء على جبهتها الشمالية، ومن اعتراف لبناني ضمني بها، ومن توجه لبناني الى التفاوض والاتفاق معها والدخول في مرحلة انتقالية أكثر من «اتفاق الهدنة» وأقل من «اتفاق السلام».

3 ـ حزب الله حمل موقفه أيضا مفاجأة في الموافقة على انطلاق مفاوضات الترسيم، وفي إعطاء الدولة اللبنانية ما يشبه «الإذن والتفويض» لفعل واتخاذ ما هو مناسب من قرارات ومسارات تفاوضية.. والحزب عندما يفعل ذلك إنما يرسل إشارات الى أنه لا يريد الحرب ولا أن يكون لبنان جزءا من مسرح المواجهة، وأنه يدفع فعلا في اتجاه التهدئة لا التصعيد. ولكن الملاحظة الأساسية هنا أن حزب الله الذي انخرط بشكل غير مباشر في عملية ومفاوضات ترسيم الحدود البحرية والبرية مع إسرائيل، يحرص ويشدد على أن تكون مزارع شبعا خارج هذا التفاوض. وهذا ما لا يتعارض مع التوجه الأميركي والإسرائيلي لأن مزارع شبعا خاضعة للقرار 242 وللقواعد التي ترعى الوضع في الجولان.

حزب الله يُصرّ على فصل مزارع شبعا عن ملف الترسيم وعلى أنها لبنانية، لأن ذلك كاف لتبرير استمرار المقاومة طالما هناك أرض لبنانية محتلة، ولذلك كان لموقف الرئيس ميشال عون الأخير في التأكيد على لبنانية المزارع وتلال كفرشوبا أثرا إيجابيا لدى حزب لله، مثلما كان لموقف جنبلاط المشكك في لبنانية المزارع أثرا سلبيا. وقد أشاد السيد حسن نصرالله في اطلالته الأخيرة بموقف الرئيس عون واعتبره واضحا وحاسما وقويا.