IMLebanon

ساترفيلد متفائل بالترسيم.. وتل أبيب تصر على البحر قبل البرّ!

يكشف مرجع دبلوماسي أن أمام مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى دايفيد ساترفيلد مهلة قصيرة للاهتمام بملف ترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل. فهو ينتظر موعد مثوله أمام الكونغرس لمناقشة مهمته كسفير لبلاده في أنقرة. ولذلك يستعجل الخطى لإطلاق مسار المفاوضات بتفاؤل رغم أنه لم يقطع المتر الأول من مسيرة الأف ميل. فما الذي عاد به من إسرائيل، قبل العودة اليها؟

عبّر مرجع دبلوماسي عبر “المركزية” عن تفاؤل مشوب بكثير من القلق إزاء مهمة ساترفيلد المكلف إحياء المفاوضات حول الحدود البحرية والبرية بين لبنان وإسرائيل منذ زيارته الأولى إلى بيروت في 13 أيار الجاري. فهو يختزن الكثير من المعلومات حول الظروف التي أحيت هذه المفاوضات بين الأطراف الثلاثة، واشنطن وبيروت وتل أبيب والدوافع التي قادت كلا منها اليها والتي يمكن أن تؤدي إلى إطلاق مسارها.

فالسفير الأميركي السابق في بيروت يعرف الكثير عن عقلية المسؤولين اللبنانيين ومقاربتهم لعملية الترسيم منذ أن أمضى خدمته الدبلوماسية في بيروت. فهو ملف ما زال منذ عقد ونصف في أيدي إثنين من القادة اللبنانيين أقدمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري ويليه رئيس الحكومة سعد الحريري ولم ير صعوبة في فهم طريقة تفكير رئيس الجمهورية ميشال عون بهذا الشأن. وعليه، فإن ساترفيلد تلقى بكثير من الارتياح مضمون الورقة اللبنانية الجامعة والموحدة التي التقى حولها اللبنانيون من قضية الترسيم واعتبار الجزء البري منها كما البحري “سلة واحدة” إذ يمكن خوض المفاوضات حولها بالتزامن، بكل ما تحمله من قواسم مشتركة وأن اختلفت الآراء في بعض التفاصيل التي يمكن تجاوزها عندما تبدأ المفاوضات الجدية.

ولذلك، شد ساترفيلد الرحيل باتجاه بيروت والمنطقة مستعجلا فتح المناقشات في ضوء الورقة اللبنانية للتأسيس لمرحلة انطلاقها رغم معرفته بالشروط الإسرائيلية المسبقة التي أدت إلى تعطيل مهمة من سبقه من الموفدين الأميركيين. فقد كان آخرهم دايفيد هيل وقبله آموس هولكشتاين وقبلهما فريديريك هوف الذي أسس لهذه المفاوضات قبل تنحيته عن المهمة لمجرد خروجه عن خط التفاهم الذي كان عليه احترامه بين وزارتي الخارجية والدفاع والتي أشعلت صراعا عبرت عنه بقوة واستياء بالغين السفيرة الأميركية السابقة في بيروت مورا كونيللي أثناء وجودها في بيروت فتلاقت باستيائها مع مطالب تل أبيب بإعفائه من المهمة فور تراجعه عما سمي باسمه “خط هوف” الذي أثار حفيظة اللبنانيين حيث رفضوا التخلي عما يقارب 860 كيلومترا مربعا من المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان.

وإلى هذه الظروف التي يمكن أن تساهم في إمكان انطلاق المفاوضات هذه المرة، توقّف المرجع الدبلوماسي أمام الدوافع والأسباب التي قادت الأطراف الثلاثة واشنطن وبيروت وتل أبيب إلى فتح هذا الملف ففندها على الشكل الآتي:

-لبنانيا، تبلغت المراجع المعنية بأن الثنائي الفرنسي – الإيطالي المشارك في ثلاثي الكونسورسيوم الجديد الذي يبحث عن النفط في البلوكين 8 و9 مخالِف للطرف الروسي الثالث حيال إمكان إطلاق العمل فيهما قبل التثبت من استقرار الوضع الأمني على الحدود الجنوبية. فأي رفض إسرائيلي للمهمة سيعقد الأمور ولن تكون عملية الحفر بمنأى عن المخاطر التي يرصدها هذا الثنائي. وزاد الطين بلة بروز الخلاف اللبناني – القبرصي حول إطلاق التفاهم النفطي بين نيقوسيا وتل أبيب وتجاهل الأولى مطالب اللبنانيين عند ترسيم مثلث الحدود البحرية القبرصية – الإسرائيلية – اللبنانية وتجاوز القبارصة الحقوق اللبنانية.

إسرائيليا، اضطرت إسرائيل إلى وقف البحث في منطقة جديدة قريبة من الحدود البحرية اللبنانية شمال أحواضها العاملة عن النفط والغاز بانتظار التفاهم مع شركة دولية تقوم بالمهمة  لفقدانها القدرات الذاتية على القيام بالمهمة. فتبلغت القلق الغربي نفسه الذي تبلغه لبنان وردوا تريثهم إلى مخاطر أمنية يمكن أن تنشأ بين لحظة وأخرى.

-أميركيا، فقد سارعت واشنطن إلى استثمار الموقف اللبناني من أجل تعزيز الأمن الإقليمي في منطقة تستعد فيها لإطلاق حوار دولي واقتصادي على خط الصراع الفلسطيني – الإسرئيلي. فواشنطن تخشى من مواجهة لبنانية –إسرائيلية قد تؤدي غلى فتح جبهة جديدة قد تستثمرها إيران عبر أدواتها في المنطقة تهدد أمن شرق المتوسط ومصير الثروات المكتشفة فيها تزامنا مع سعيها إلى إحياء البرامج الاستثمارية والاقتصادية الضخمة من بوابة “مؤتمر المنامة” على الطريق إلى استكمال بناء “صفقة القرن”.

ويضيف الدبلوماسي: “هكذا تقاطعت مصالح الأطراف الثلاثة وتلاقت على المخاوف الأمنية والاقتصادية التي يمكن أن يقود إليها أي خلاف. فالملف لا يحتمل التأجيل برأي ساترفيلد وفي اعتقاده أنه وأيا كانت العقبات، يمكن إطلاق المفاوضات رغم العقد التي ما زالت تحول دونها. ولذلك كان واضحا عندما أبلغ المسؤولين اللبنانيين أن رعاية الأمم المتحدة ليست العقدة الأبرز فبالإمكان تجاوزها مع الدول المشاركة في “اليونيفيل” وفي مجلس الأمن وأي تعديل مطلوب لمهمتها لن يكون صعبا”.

لكنه لفت إلى أن “العقدة الحقيقية ما زالت في إصرار اسرائيل على البدء بالترسيم البحري قبل البري وبشكل منفصل عنه. ورغم ذلك فقد عبر ساترفيلد عن ثقته بأن بدء المفاوضات سيغير مجرى التفاهمات وعن قبول بلاده بأن تكون الطرف “المسهل” والضاغط، توصلا إلى ربط المسارين البري والبحري عندما يتوفر التقدم على الخط البحري، قاطعا وعدا بألا تعلن أي نتائج ايجابية على المسار البحري ما لم يتلاقى والبري فيتحقق عندها مطلب لبنان بالتلازم بينهما.

على هذه الخلفيات، انتهت مهمة ساترفيلد في بيروت في جولتها الثانية وتوجه إلى إسرائيل لاستكمال مشاوراته والعودة إلى بيروت مصرا على تفاؤله داعيا اللبنانيين إلى “التفاؤل بالخير ليجدوه” رغم قناعته بانه “لم يقطع بعد المتر الأول من مسيرة الألف ميل”.