لم يكن ينقص لبنان المأزوم في السياسة والاقتصاد والمال، سوى مواقف الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله التي أطْلقها في «يوم القدس» لتأكيد خلاصة «مثلثة الضلع»، بأن التسويةَ السياسية المهتزّة أصلاً على وقع «حروبٍ صغيرة» في الداخل صارتْ في مرْمى تَصَدُّعاتٍ كبرى تحوم فوقها، وأن رئيس الحكومة سعد الحريري يواجه ضغوطاً متزايدة تضع موقع رئاسة الوزراء كما اتفاق الطائف أمام محكّ فعلي، وأن الواقع اللبناني برمّته قد لا ينجو من أي حربٍ كبيرة في المنطقة بل سيشكّل وقوداً في «آلة الردّ» الإيراني بحال اقتضت حاجة طهران.
ورغم إعراب أوساط سياسية مطلعة عبر «الراي» عن اقتناعها بأن السقف الأعلى الذي اعتَمَدَه نصرالله في الدفاع عن إيران ومهاجمة دول الخليج وصولاً الى إظهار استعدادٍ للتضحية بلبنان خدمةً لأجندة طهران جاء بمثابة «رسالة صوتية» بعدما تراجعتْ مؤشرات انفجار حربٍ شاملة في المنطقة، إلا أن هذه الأوساط لم تقلل من دلالات ما أعلنه وتوجّه به إلى الداخل والخارج.
وبحسب الأوساط نفسها، فإنّ نصرالله، بدا وكأنّه يتحدّث باسم إيران وعلى مسامع القمة الاسلامية التي كانت مُنْعَقِدةً في مكة المكرّمة ومن فوق رأس الدولة اللبنانية، بإعلانه أن «أي حرب يُمكن أن تحصل لن تبقى عند حدود إيران، بل ان المنطقة كلّها ستشتعل، وكل القوات الأميركية والمصالح الأميركية ستباد ومعها إسرائيل»، وهو الموقف الذي استبطن إشارةً الى «وحدة الجبهات» وأن لبنان لن يكون بمنأى عن «خط النار» الإيراني.
وبالأهمية نفسها، توقّفت الأوساط المطلعة عند إضاءة نصرالله على إحدى «القطب المخفية» في ملف بتّ النزاع الحدودي البري والبحري بين لبنان واسرائيل والذي يخوض الديبلوماسي الأميركي ديفيد ساترفيلد وساطةً مكوكية لترتيب طاولة المفاوضات في شأنه بين بيروت وتل أبيب برعاية الامم المتحدة، وذلك بإشارته الى محاولةِ واشنطن استغلال مفاوضات الترسيم لفتح ملف الصواريخ الدقيقة لـ«حزب الله» التي أكد الأمين العام مجدداً «ان لدينا منها وبالعدد الكافي الذي يستطيع أن يُغيَّر وجه المنطقة»، نافياً في الوقت نفسه وجود مصانع لتلك الصواريخ في لبنان، ومحذراً ساترفيلد بأنّه إذا استمر بالسؤال عن امتلاك الحزب لهذه المصانع «فسنبدأ بتأسيسها».
على أن الجانب الأكثر إثارة للانتباه في كلام نصرالله، كان انتقاده وبلا قفازات لموقف الوفد الرسمي اللبناني في القمة العربية الطارئة، معتبراً أنه لا ينسجم مع البيان الوزاري «وهو مرفوض ومُدان ولا يمثل لبنان بل الأشخاص والاحزاب التي ينتمي إليها هؤلاء»، وذلك في ردّ على ما كان الحريري أعلنه أمام القمة من «أننا ندين أشدّ إدانة الاعتداءات التي تعرّضت لها دولتا الإمارات والسعودية، وندعو إلى أوْسع تضامن عربي في مواجهتها».
وبحسب الأوساط السياسية المطلعة فإن فريق الحريري بات يستشعر مخاطر استنزاف رصيده وموقعه ولم يعد بإمكانه تحمّل المزيد من «سياسة الاحتواء» والتضحية، مستدلّة على ذلك من تقدُّم قياديي «تيار المستقبل» صفوف التصدّي لفريق «التيار الوطني الحر» الذي يقوده وزير الخارجية جبران باسيل «على جبهتيْن» اشتعلتا في الساعات الماضية: الأولى الكلام الذي نُقل عن باسيل حول أنّ السنيَّة السياسية جاءت على جثة المارونية السياسية وسلبتْ كل حقوقها ومكتسباتها، ونحن نريد استعادتها منهم بشكل كامل.
والجبهة الثانية قرار المحكمة العسكرية بكفّ التعقّبات عن المقدّم سوزان الحاج بتهْمة فبركة ملف الفنان زياد عيتاني بالتعامل مع إسرائيل والذي ترافق مع سابقة شكّلها حضور مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس وتَولّيه «مُرافَعَةً دفاعيّة» عن الحاج طالباً تبرئتها خلافاً لادعائه عليها بعد توقيفها، وهو التطوّر الذي اعتُبر في سياق «الحرب الباردة» بين جرمانوس وفريقه السياسي (التيار الحر) وبين المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان (مدعوم من الحريري) ومعه شعبة المعلومات على خلفية ملف الفساد.
وسرعان ما تَمَدَّدَتْ هذه المواجهة مع اشتعال معركة كلامية بين وزير الدفاع الياس بوصعب وبين «المستقبل» على وقع اتهامات لبوصعب وفريقه بالضغط لتبرئة الحاج ونسف تحقيقات «المعلومات»، وسط ترقُب للخطوة التالية من الحريري الذي نقلت أوساطه أن«سياسة ورقة التين لم تعُد تنفع».
وكان الأكثر تعبيراً عن هذا التململ الكلام الناري للنائب نهاد المشنوق من دار الفتوى إذ ردّ على ما نُقل عن باسيل معتبراً ان «هذا تماد غير مقبول، وهو يخرب التوازن»، ومترحماً في ملف الحكم على الحاج «على أيّام المخابرات السورية».