كتبت كارولين عاكوم في صحيفة “الشرق الأوسط”:
هزّة جديدة تتعرض لها «التسوية السياسية» التي أوصلت الرئيس ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، على وقع تفاقم الخلافات بين «تيار المستقبل» و«التيار الوطني الحر» التي تتشعّب من السياسة إلى القضاء والتعيينات وتعدّتها إلى الصراع على الصلاحيات؛ ما يطرح مرة جديدة السؤال حول مصير هذه التسوية ومن خلفها مصير الحكومة.
ووصل السجال والمواقف التصعيدية بين الطرفين إلى مرحلة غير مسبوقة في قضايا عدة، من الحكم بتبرئة المقدم سوزان الحاج في قضية فبركة ملف «العمالة لإسرائيل» بحق الممثل زياد عيتاني والاتهامات بتسييس هذا الملف، إلى كلام وزير الخارجية رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل حول صعود «السنية السياسية» على جثة «المارونية السياسية» والحديث عن معركة يخوضها باسيل للإطاحة بمدير عام الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، ليضاف إليها الجمعة كلام أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله الذي انتقد موقف لبنان في القمتين العربية والإسلامية في مكّة الذي اعتبره خروجاً عن «النأي بالنفس».
ومع تأكيد الفرقاء المعنيين حرصهم على التسوية السياسية، يشدّد «تيار المستقبل» على لسان النائب محمد الحجار أن ما يحصل اليوم هو خروج عن قواعد التسوية وقواعد الاستقرار و«لن يمر مرور الكرام»، فيما يجزم النائب في «التيار» آلان عون أنه ليس من نيّة لديهم للعودة عن التسوية وهناك دائماً وسائل للحوار والمعالجة. كذلك ترى مصادر سياسية مطّلعة أن لا خطر على التسوية التي سبق لها أن مرّت بهزّات عدة ولا تزال مستمرة منطلقة في ذلك من أن الخلافات التي تحصل الآن هي حول قضايا آنية وليست استراتيجية، مع تأكيدها أن الرئيس الحريري عبّر في قمة مكة عن موقف لبنان وأتى منسجما مع البيان الوزاري.وأمام كل ما يحصل كان موقف لافت لرئيس «الحزب الاشتراكي» النائب السابق وليد جنبلاط، معتبراً في تغريدة على «تويتر» عاد وحذفها، أن «تفاهمات ما قبل انتخاب عون أوصلت إلى تحنيط اتفاق الطائف… والعهد الواعد يتخبط نتيجة الغرور للشهوة الرئاسية وصمت الآخرين»، وذلك بعدما سجّل كلام لوزير الداخلية السابق نهاد المشنوق من دار الفتوى داعياً إلى وقف التمادي بحق رئاسة الحكومة وإلى إعادة النظر بالتحالف وأسسه من الطرفين.
ويقول الحجار، لـ«الشرق الأوسط»: «إجراء التسوية أدى إلى انتخابات رئاسية وتشكيل حكومة واستقرار في البلاد لكن يبدو اليوم وأمام كل ما يحصل أن هناك خروجا عن قواعدها وقواعد الاستقرار من قبل «التيار» ونحن لن نسكت عن أي أمر يتناولنا ويتناول قياداتنا»، مضيفا: «لأن التضحيات لا تعني التنازل عن موقعنا ودورنا خاصة في ظل حملات متتالية من الواضح أنها تستهدف مواقع وشخصيات محسوبة على (المستقبل)». ورغم ذلك يتابع الحجار: «لا نزال نؤكد أن التسوية هي جزء من معادلة الاستقرار لكن إذا أراد التيار إبطالها فعندها أمور كثيرة ستتغيّر».
في المقابل، يعتبر النائب عون أن ما يجري اليوم من ردود فعل على تسريبات إعلامية مبالغ فيه ويعرّض العلاقة بين الفريقين لهزّات وتصدّعات هي بغنى عنها، مع تأكيده ألّا نيّة لتياره في العودة عن التسوية السياسية. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «من المفترض أن يكون تركيزنا في هذه المرحلة لمواجهة التحدّيات الاقتصادية ونحتاج لتحقيق ذلك أفضل انسجام بين مكوّنات الحكومة وعلى رأسها بين فريقي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وبالتالي يجب ألّا يعرض أي إشكال أو تباين ذات طابع أمني أو قضائي كامل العلاقة أو التسوية للخطر وهناك دائماً وسائل للحوار والمعالجة بيننا».
أما عن موقف نصرالله فيرى عون أنه متوّقع، موضحاً: «هذا التناقض اللبناني حول تقدير مفهوم النأي بالنفس وحول ما يحصل في المنطقة يستدعي مزيداً من الاتزان والدقّة في المواقف الرسمية لكيلا ينعكس التصعيد والتوتر الإقليميان ضرباً للاستقرار السياسي اللبناني وللتسوية القائمة بين اللبنانيين والتي يشكّل حزب الله وتيار المستقبل ركيزتين أساسيتين لها».
وبين هذا الموقف وذاك، تؤكد مصادر سياسية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن لا خطر على التسوية التي لا تزال محكومة بتوافق على أسس أهم من كلام من هنا وتعليق من هناك وعلى تجاوز النقاط الخلافية، ولعل أبرزها «حزب الله» وسوريا، مقلّلة من أهمية موقف نصر الله. وتضيف: «الأهم أن الاتفاق مبني على القضايا الاستراتيجية الكبيرة على غرار ترسيم الحدود، ومبدأ النأي بالنفس الذي عبّر عنه الرئيس الحريري بشكل واضح في قمة مكة ولا خلاف عليه، وذلك انطلاقاً من أن لبنان دولة عربية ملتزمة بميثاق الجامعة العربية وتدين الاعتداء على أي دولة عربية من أي جهة كانت، والنأي بالنفس متعلق بالخلاف بين دولة عربية وأخرى، وبالتالي لا يمكن أن ينأى لبنان بنفسه عندما يتعلق الأمر بدولة غير عربية على غرار ما يحصل مع إيران الجهة المتّهمة».