Site icon IMLebanon

“الاستثمار الطبي” في عكار: مستوصفات غير شرعية وأدوية فاسدة

كتبت نجلة حمود في “الاخبار”:

لوّح نقيب أطباء الشمال الدكتور عمر عياش باجراءات قاسية بحق الأطباء الذين يشغّلون أطباء أجانب باسمائهم، مشيراً الى أن نحو ربع أطباء عكار باتوا بلا عمل نتيجة طفرة المستوصفات التي يديرها أجانب ومنتحلو صفة.

بدءاً من المحمرة، بوابة محافظة عكار، مروراً بالعبدة – ببنين وحلبا والدريب الأوسط والأعلى وصولا الى القرى والبلدات الحدودية في وادي خالد، فوضى طبية – غير خلاقة بالتأكيد – وعلى عين الأجهزة الأمنية وأجهزة الرقابة الغائبة عن السمع. عشرات المراكز الطبية المخالفة، والمتعددة الاختصاصات: طب عام، طب تجميلي، طب أسنان، صيدلة… والأخطر عيادات نسائية تدور شبهات كثيرة حول ما يجري داخلها من عمليات إجهاض غير شرعية مقابل مبالغ مالية.

«خطورة الأمر لا تكمن في عدم شرعية هذه المراكز فقط، بل في الخدمات الطبية التي تقدمها والتي قد تشكل خطراً مباشراً على صحة المواطنين. إذ يدير غالبية هذه المراكز ، بشكل مخالف للقانون، أطباء أجانب معظمهم سوريون، وأحياناً ممرضون ينتحلون صفة أطباء، يتولّون تقديم الخدمات الطبية ووصف الأدوية المهربة وإعطاء لقاحات تبين أن الكثير منها منتهي الصلاحية»، بحسب تأكيد عدد من الأطباء في المحافظة.

من يراقب هذه المراكز؟ أين دور وزارة الصحة وطبابة قضاء عكار والسلطات المحلية من محافظ وبلديات وقوى أمنية؟ وكيف تغطّي هذه المراكز والمستوصفات والعيادات الخاصة والصيدليات نفسها أمام القانون؟ هذه، وغيرها الكثير، أسئلة لا إجابات لها في واحدة من أكثر المناطق اللبنانية فقراً وافتقاداً للخدمات.

«ما يجري لا يمكن تسميته سوى استثمار تجاري في صحة الناس يقوم به ممرضون سوريون بتغطية تامة من أطباء لبنانيين»، يؤكد أحد الأطباء، مشيراً أيضاً الى الدور السلبي لبعض الجمعيات الدولية والخليجية التي عملت في ملف النزوح السوري وتعاونت بشكل أساسي مع الأطباء الأجانب ومنتحلي صفة الأطباء بما برّر مخالفاتهم». يحدث ذلك كله على عين قانون تنظيم مهنة الطب في لبنان وقانون الآداب الطبية وقانون إنشاء نقابتي الأطباء في بيروت وطرابلس – الشمال. وهي القوانين التي تؤكد أنه «لا يحق لأي طبيب العمل على الأراضي اللبنانية، إلا إذا كان منتسب لإحدى النقابتين ولديه إذن بمزاولة المهنة من وزارة الصحة».

«الأمور فلتانة»، يختصر أحد الأطباء الواقع، مؤكدا «أن المريض اللبناني يتلقى العلاج على يد ممرض سوري، وفي أفضل الأحوال على يد طبيب، لكنه يحصل على وصفة طبية غير مختومة، وأحياناً على أدوية مهربة أو فاسدة لانتهاء صلاحيتها. والمشكلة أن هناك مستشفيات لا تتردد بالتعاون مع أطباء سوريين رغم أن عملهم مخالف لقوانين مزاولة المهنة». أكثر من ذلك، فانّ أحد المستشفيات التي تحظى بدعم وزارة الصحة «يتعاون مع 11 طبيباً يعملون لديه ويحملون أختاماً بأسماء أطباء لبنانيين»!

والمشكلة الأساسية وراء هذه «الطفرة التي يشهدها الشمال، وخصوصاً عكار، منذ بدء أزمة النزوح السوري، تكمن بحسب مطّلعين في سهولة الحصول على رخصة لفتح مستوصف. «إذ يكفي توافر رخصة بإسم جمعية وشهادة طبيب منتسب للنقابة ووجود صيدلي وممرض، لتحصل أي جهة على رخصة مستوصف طبي. ولأنه لا يمكن لطبيب أجنبي افتتاح مستوصف يلجأ هؤلاء الى تأمين غطاء من طبيب لبناني. وهنا مكمن العلة».

ولهذا الأمر، بعيداً عن المخاطر الصحية على حياة الناس، انعكاسات اقتصادية واجتماعية على الأطباء اللبنانيين أنفسهم الذين باتوا يعانون من شبه بطالة! وهو ما دفع بعدد من الأطباء الى تنسيق جهودهم لإعداد داتا شاملة حول أماكن تواجد هذه المراكز والجهات التي تغطيها. وقد بينت الإحصاءات الأولية وجود 40 مركزاً «طبياً» تتوزّع على منطقتي ساحل القيطع والشفت، إضافة الى بعض المستوصفات في سهل عكار والدريب الأوسط والأعلى، وسبعة مراكز غير شرعية في منطقة وادي خالد.

نقيب أطباء الشمال، الدكتور عمر عياش، يتحدث عن أرقام «مخيفة»، موضحاً أن ربع أطباء هذه المناطق المحرومة محرومون من العمل، وأن «نسبة البطالة الطبية في عكار باتت تتجاوز الـ25 في المئة». يعني ذلك أن «هناك، إضافة الى الخطر الطبي، خطراً معيشياً يهدد الأطباء اللبنانيين جراء المنافسة غير الشرعية والأطباء الأجانب الذين يتقاضون أجوراً زهيدة». بتفصيلٍ أكثر، يشرح النقيب أن «هناك 360 طبيباً منتسبا للنقابة في الشمال من عكار – ومنهم يمارس الطب خارج عكار – في مقابل 120 طبيباً غير لبناني، وهذه نسبة مخيفة جداً». عياش أعلن أن النقابة في صدد اتخاذ اجراءات قاسية بحق «الأطباء المخالفين الذين يقومون بتشغيل اطباء أجانب باسمهم، ملوحا بإحالتهم الى المجالس التأديبية وإصدار عقوبات بحقهم قد تصل الى وقفهم عن ممارسة مهنة الطب». وشدد على ضرورة «تكاتف الأطباء وإبلاغ النقابة عن التجاوزات في حال رصدها»، مؤكدا «أننا حاولنا مرارا مداهمة عدد من العيادات والصيدليات المخالفة. إلا أننا في كل مرة كنا نفاجأ بتمكنهم من الهرب، بتسهيل من زملاء لبنانيين مسؤولين عن إدارة هذه المراكز والمستشفيات»، رغم إرسال وزير الصحة جميل جبق كتاباً الى المؤسسات الطبية يحذّر فيها من تشغيل أطباء مخالفين للقانون تحت طائلة إقفال مؤسساتهم.