أنا لا أعرف قائد الجيش العماد جوزاف عون شخصياً، ولم ألتقِ به ولو لمرة واحدة. على الصعيد السياسي أختلف معه كونه “عوني” الهوى، وهذا ما عزّز حظوظه، إضافة إلى كل الصفات التي يتمتع بها، لدى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتزكيته لقيادة الجيش من بين مجموعة من الأسماء.
لكن كل ما تقدّم حمّلني مسؤولية أكبر لأكتب هذه السطور عن أول قائد للجيش بعد الطائف تمت تسميته بقرار لبناني صرف، وتحديداً بقرار من رئيس الجمهورية من دون أي شراكة مع أحد لا داخل الحدود ولا خارجها، وهكذا بات قائد الجيش العماد جوزاف عون غير مدين لأحد بوصوله إلى منصبه باستثناء رئيس الجمهورية الذي يثق به ثقة كبيرة.
ولكن كل ما تقدّم لم يكن ليكون كافياً على الإطلاق لولا أن القائد لم يثبت بعد سنتين على توليه منصبه عن مناقبية قلّ نظيرها، وعن ولاء لبناني صافٍ للدولة اللبنانية وللعلم لا تشوبه شائبة، ولولا أن العماد جوزاف عون أثبت بالفعل والممارسة أنه أبعد التجاذبات السياسية والسياسيين عن أي قدرة على التأثير في المؤسسة العسكرية أو عليها. فللمرة الأولى منذ زمن طويل بات المعيار الوحيد المعتُمد في كل التعيينات العسكريات “الضابط المناسب في المكان المناسب”، من دون أي محسوبية أو زبائنية لأي من القوى السياسية من دون استثناء. للمرة الأولى منذ اتفاق الطائف يكون مدير المخابرات في الجيش اللبناني المدير الفعلي للمخابرات وليس كما درجت العادة منذ العام 1990 وحتى اليوم أن يكون نائب المدير هو المدير الفعلي!
للمرة الأولى يتخلّص الجيش من فساد كان ينخره بكل أسف في معيار الدخول إلى المدرسة الحربية، فانتهى مع العماد جوزاف عون منطق توزيع المغانم على الأطراف السياسية المترافق مع منطق دفع مبالغ مالية للنجاح في الدخول إلى المدرسة الحربية.
عاد الجيش اللبناني مع قائده الجديد مصدر ثقة واطمئنان وأمان لجميع اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم. لم يعد طرفاً في أي صراع، وبات قادراً على خوض معارك بطولية ضد الإرهاب ليدحره، ولو أنه لا يزال بحكم القانون ملتزماً بسقف السلطة السياسية التي تساوم أحياناً وتخذل اللبنانيين في أحيان كثيرة!
بناء على كل ما تقدّم حاز العماد قائد الجيش ليس فقط ثقة اللبنانيين إنما أيضاً ثقة الدول الخارجية نظراً لكل المزايا التي يتمتع بها، وأهمها نظافة كفّه وجرأته وإقدامه وعدم السماح لأي كان بالتدخل في عمل المؤسسة العسكرية.
أما السؤال الكبير الملحّ المطروح اليوم فهو: من يحاول العبث بكل إنجازات الجيش اللبناني وقائده العماد جوزاف عون؟ كيف يسمح أي كان لنفسه بمناقشة أمور المؤسسة العسكرية وموازنتها علناً وبما يشبه التشهير بضباطها وجنودها؟ ما الهدف من وراء محاولة استهداف الجيش اللبناني عبر التضييق على موازنته ونشر أمور لا يجوز نشرها؟ لماذا لا تُناقش هذه المواضيع ضمن اجتماعات مغلقة وحصرية بين المعنيين وقائد الجيش وأعضاء المجلس العسكري للوصول إلى الحلول المطلوبة؟ وهل ثمة من يسعى لمحاولة وضع اليد على الجيش سواء من خلال التشهير به لا سمح الله، أو من خلال التضييق على قائده أو حتى من خلال محاولة العبث عبر السعي لتغيير بعض الأسماء في بعض المواقع؟
الثابت والأكيد أن من يعرف العماد جوزاف عون جيداً، ويعرف مقدار الثقة التي يوليها له رئيس الجمهورية، يدرك أن كل المحاولات هذه لن تنجح، ويعلم جيداً أن اللبنانيين لن يقبلوا بأي عودة إلى الوراء بعد كل الإنجازات التي رسّخها بصمت وتواضع قائد الجيش فأبعد فيها المؤسسة العسكرية عن كل الزوبعات السياسية فحمى ضباطه وعناصره ليكونوا على مثاله في المناقبية.
لذلك نطلق الصرخة المدوية أن أبعدوا أيديكم وأنوفكم عن الجيش اللبناني. إبحثوا عن التوفير في مكامن الهدر والفساد المعروفة للجميع، وابتعدوا عن أي محاولة للتضييق على المؤسسة العسكرية الصامدة رغم كل التحولات، والتي تبقى الضمانة الوحيدة والأكيدة لجميع اللبنانيين مهما عصفت الرياح الداخلية والخارجية!
